يخرجُ السّهمُ من الرَّمِيَّة، ثمّ لا يعودون فيه، هم شَرُّ الخَلق والخليقة " (١).
ومن العلامات الّتي نَعَتَهُم بها - صلى الله عليه وسلم - أنّهم مَهَرَةٌ في قراءة القرآن، لكنّهم يتأوّلونه خطأ، وأنّ فيهم المُخْدَج وهو ناقص اليد، ويده مثل ثدي المرأة، أخرج مسلم عن زيد بن وهْب الجُهَنيُّ أنّه كان في الجيش الّذين كانوا مع عليّ ـ رضي الله عنه ـ الّذين سَارُوا إلى الخوارج، فقال عليّ ـ رضي الله عنه ـ:
" أيُّها النّاس، إنّي سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: يَخْرُجُ قومٌ من أمّتي يقرؤون القرآن ليس قراءتُكم إلى قراءَتهم بشيء، ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء، ولا صيامكم إلى صيامهم بشيء، يقرؤون القرآن يحسبون أنّه لهم وهو عليهم، لا تُجَاوزُ صلاتُهم تراقيَهُم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السَّهْمُ من الرَّمِيَّة، لو يعلم الجيشُ الّذين يُصيبونهم ما قُضي لهم على لسان نبيِّهم - صلى الله عليه وسلم - لاتَّكَلُوا عن العمل، وآيةُ ذلك أنَّ فيهم رجلاً له عَضُدٌ وليس له ذراع، على رأس عَضده مِثْلُ حَلمَة الثَّدي عليه شَعَرَاتٌ بِيضٌ. فَتذْهبونَ إلى معاوية وأهل الشَّام وتتركون هؤلاء يخلفونكم في ذراريِّكم وأموالكم؟! والله إنّي لأَرْجُو أن يكونوا هؤلاء القوم؛ فإنّهم قد سفكوا الدَّم الحرام، وأغاروا في سَرْح النّاس، فسيروا على اسم الله.
قال سلمة بن كُهَيْل: فَنَزَّلنِي زيد بن وهْب منزلاً حتَّى قال: مررنا على قَنْطرة فلمّا التقينا وَعَلى الخوارج يومئذ عبد الله بن وهب الرَّاسبي، فقال لهم: ألقُوا الرِّماح وسُلّوا سيوفَكم من جُفُونها فإني أخافُ أن يناشدوكم كما ناشدوكم يوم حَرُوراء، فرجعوا فَوَحَّشُوا برماحهم وسَلُّوا السيوفَ وشَجَرَهُم النَّاس برماحهم، قال: وقُتِل بعضُهم على بَعْضٍ وما أصيب من النَّاس يومئذ إلا رجلان، فقال علي ـ رضي الله عنه ـ: التمِسُوا فيهم المُخْدج، فالتمسوه فلم يجدوه، فقام علي ـ رضي الله عنه ـ بنفسه حتى أتى ناساً قد قُتِل بعضُهم على بعض، قال: أخّرُوهم فوجدوه ممّا يلي الأرض، فكبّر ثمّ قال: صدق الله وبلّغ رسُولُه، قال: فقام إليه عبيدة السَّلمانيُّ، فقال: يا أميرَ المؤمنين، اللهَ الذي لا إله إلا هو لسَمِعْتَ هذا الحديث من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إي والله الذي لا إله إلا هو حتّى استحلفه ثلاثاً وهو
(١) مسلم " صحيح مسلم بشرح النّووي " (م ٤/ج ٧/ص ١٧٤) كتاب الزّكاة.