أي أنّ أبا سفيان ـ رضي الله عنه ـ طلب من النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أن يجعل معاوية كاتباً له، فوافق - صلى الله عليه وسلم -، ولذلك فإنّ قلم معاوية الّذي سطر به القرآن للنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - من أشرف الأقلام، فأبو سفيان ومعاوية يعلمان شرف الكتابة، فهما يقرآن قول الله تعالى: {الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤)} [العلق] وقوله تعالى: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (١)} [القلم] فانظروا ماذا سطر معاوية، وماذا سطر هؤلاء الّذين يجهلون على معاوية! {أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (١٩)} [المجادلة].طُوبَى لِيَد مُعاوية الَّتي كَتَبَتْ الوحيَ لرسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وطوبى لِعَيْنَيهِ اللَّتين رأَتا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - مُسْلمتين!
ويكفي معاوية ـ رضي الله عنه ـ شرفاً أنّه قاتل مع النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في غزوة حنين، وقد قال الله تعالى: {ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ ... (٢٦)} [التّوبة] ومعاوية ـ رضي الله عنه ـ من المؤمنين الّذين أنزل الله سكينته عليهم مع النّبيّ الأمين - صلى الله عليه وسلم -.
ويكفيه أنّه ممّن أنفق من قبل الفتح في حنين والطّائف وقاتل فيهما، فاستحقّ وعد الله الجنّة، قال تعالى: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى ... (١٠)} [الحديد].
ويكفيه فخراً أنّه قاتل في عهد أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ المرتدّين، وأنَّه وَلي إمرة دمشق عن عمر بعد موت أخيه يزيد بن أبي سفيان، وأنّه أوّل من غزا في البحر، ففتح قبرس سنة ثمان وعشرين في خلافة عثمان ـ رضي الله عنه ـ وكان يومئذ أميراً له على الشّام، أخرج البخاري عن أنس بن مالك عن خالته أمّ حرام بنت مِلْحانَ، قالت:
" نام النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يوماً قريباً منّي، ثمّ استيقظ يتبسّم، فقلتُ: ما أضْحَككَ؟ قال: أُناسٌ من أُمّتي عُرِضُوا عليّ يركبون هذا البحر الأخضر كالملوك على الأسرّة، قالت: فادعُ الله أن يجعلني منهم، فدعا لها، ثمّ نامَ الثّانية، فَفَعَلَ مِثْلها، فقالت مِثْلَ قوْلها، فأجَابَها مثلها، فقالت: ادْعُ الله أن يجْعَلني منهم، فقالَ: أنتِ من الأوّلين، فخرجت مع زوجها عُبادة بن الصّامت غازياً أوّلَ ما رَكِبَ المسلمون البحْرَ مَعَ مُعاويَةَ، فلمّا انصرفوا من غزْوههِم قافلينَ،