للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عصمته من الأذى بالكليّة، فقد ثبت في الصّحيحين أنّه - صلى الله عليه وسلم - أوذي وأُصيب بجراحات ليعظم له الأجر، وليتأسَّى به أتباعه في الصّبر على الأذى والشِّدَّة، وكانت فاطمة ـ رضي الله عنها ـ يومها تغسل جرحه وعليّ ـ رضي الله عنه ـ يسكب الماء، ثمّ أخذت فاطمة قطعة من حصير فأحرقته حتّى صار رماداً وكمّدته به حتّى لصق بالجرح فاستمسك الدم، فعن سهْل بن سعْد ـ رضي الله عنه ـ أنّه سُئل عن جُرح النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - يوْم أحد فقال:

" جُرحَ وجْه النّبيّ وكسِرتْ رَباعِيَتُه وهُشِمَتْ البيْضَة على رأسه فكانت فاطمة ـ عليها السّلام ـ تغْسِل الدّم وعليّ ـ رضي الله عنه ـ يُمْسكُ، فلمّا رأتْ أنّ الدَّم لا يزيد إلاّ كثرة أخذتْ حصيراً فأحرقته حتّى صار رماداً ثمّ ألزقتْه فاستمسك الدَّمُ " (١).

وقد شهد أبو سفيان (صخر بن حرب بن أميّة) مع النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - غزوة الطّائف، ورُمِي يومئذ وفُقِئتْ عينُه في سبيل الله تعالى بسهم، وشهد يوم خيبر، وشهد اليرموك فذهبت عينُه الأخرى يومها في قتال الرُّوم (٢).

قال الشّاعر أحمد محرّم:

حملْتَ أبا سفيانَ عينَكَ في يد ... بها الخيرُ في كلّ المواطنِ مَقرونُ

وجئتَ رسولَ الله لا الوجهُ شاحبٌ ... ولا العِطفُ مُزْوَرٌّ ولا القلبُ مَحزونُ

تقول له ... عيني الّتي أنتَ ناظرٌ ... مَضَتْ في سبيل الله والحافزُ الدِّينُ

فقال إذا أحببتَ فالردُّ مُمكنٌ ... بِقُدرة ربّ أمرُهُ الكافُ والنُّونُ

وإلاّ فأخرى عنده إن لقيتَهُ ... وذلك وَعْدٌ عنْدَ ربّكَ مَضمونُ


(١) البخاري " صحيح البخاري " (م ٢/ج ٣/ص ٢٢٩) كتاب الجهاد والسّير، ومسلم " صحيح مسلم بشرح النّووي " (م ٦/ج ١٢/ص ١٤٨) كتاب الجهاد والسّير.
(٢) " نور اليقين " (ص ١٦٤) و" الحجّة على تارك المحجّة " (ج ٢/ص ٥٧٠) و" الإصابة " (م ٢/ج ٣/ص ٢٣٧/رقم ٤٠٤١) و" تلقيح فهوم الأثر " (ص ١١١).

<<  <   >  >>