للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومنها: القتال لنصرة المستضعفين، قال تعالى: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ ... (٧٥)} [النّساء].

ولا أعلم آية في كتاب الله تعالى تدعو المسلمين إلى قتال مَنْ خالَفَنا وإكراههم على الدّخول في ديننا، فالنَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لمّا دخل المدينة وفيها يهود بني قينقاع، ويهود بني النّضير، ويهود بني قريظة صالحهم على ما هم عليه وهادنهم ووادعهم وأقرّهم وأمّنهم على أموالهم، واشترط عليهم واشترط لهم.

وعمر بن الخطّاب ـ رضي الله عنه ـ لمّا تسلّم مفاتيح بيت المقدس كتب لأهلها كتاب أمان ومصالحة، عُرِفَ فيما بعد بالعهدة العمريَّة، وضرب عليهم الجزية، وأعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم، وكذلك فعل صلاح الدّين الأيّوبيّ.

ولو أراد النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أن يُكْرِهَ أحداً على الدّخول في الإسلام لأكره أسرى بدر مثلاً، أو أكره كفّار قريش لمّا فتح مكّة، ومعلوم أنّه عفا عنهم ولم يُرِقْ دماً؛ ولذلك جاء العرب بعد فتح مكّة من أقطار الأرض ودخلوا طائعين في دين الله أفواجاً، قال تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (١) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (٢)} [النّصر] وانظر إلى قوله تعالى: {يَدْخُلُونَ} فالفاعل هنا وهو الضمير المتّصل العائد على النّاس قد أُسْنِد إلى الدّخول، أي أنّهم دخلوا طوعاً من أنفسهم، ولم يقُل الله تعالى: يُدْخَلون بصيغة المبني للمجهول الّذي لم يُسَمَّ فاعله.

ثمّ كيف يُقال: الإسلام انتشر بالسّيف؛ وغزوة بدر، وأحد، والخندق ـ كبرى الغزوات في الإسلام ـ كلّها حدثت في المدينة المنورة؟! أليس هذا دليل على أنَّ المسلمين لم يخرجوا لقتال أحد وإنّما كانوا يدافعون عن أنفسهم!

وقد وضّح الله تبارك وتعالى أنّ الإسلام لا يكره أحداً على الدّخول فيه، قال تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ... (٢٥٦)} [البقرة] وقال على لسان نبيّه: {وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (٣) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (٤) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (٥) لَكُمْ دِينُكُمْ

<<  <   >  >>