للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَلِيَ دِينِ (٦)} [الكافرون].

أمّا قوله تعالى: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ... (٢٩)} [الكهف] فلا يُفْهَمُ منه أنّ الإسلام يبيح الرِّدَّة كما روّج البعض؛ فهذا الأسلوب ليس أسلوب اختيار، وإنّما هو أسلوب تهديد (١)، فقد خرج الأمْرُ عن معناه الأصليِّ للدلالة على معنى الوعيد والتّهديد، فالله تعالى جاء بصيغة الأمر في مقام عدم الرّضا منه بقيام المخاطب بفعل ما أمره به تخويفاً وتحذيراً له.

وبلغ من حكمته - صلى الله عليه وسلم - لمّا أراد تبليغ الرّسالة وأداء الأمانة للنَّاس كافّة أن بَعَثَ البْعوثَ ولم يبعث الجيوش، فأرسل الرّسل هنا وهناك يدعوهم إلى الإسلام. أخرج مسلم عن ابن عباس أنّ معاذاً قال:

" بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إنّك تأتي قوماً من أهل الكتاب فادعهم إلى شهادة أنْ لا إله إلا الله وأنّي رسول الله، فإن أطاعوا لذلك فأعلمهم أنّ الله افترض عليهم خمس صلوات في كلّ يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أنّ الله افترض عليهم صدقةً تؤخذ من أغنيائهم فتردّ في فقرائهم، فإنْ هم أطاعوا لذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتّقِ دعوة المظلوم؛ فإنّه ليس بينها وبين الله حجاب " (٢).

كما كتب إلى الملوك داخل وخارج جزيرة العرب كتباً يدعوهم فيها إلى الإسلام دون أن يستلّ سيفاً، فكتب إلى هرقل ملك الرّوم، وكسرى ملك الفرس، والنجاشي ملك الحبشة، والمقوقس حاكم مصر، لكنّ حياة النّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لم تطل بعد ذلك، فأصبح من واجب


(١) وله شواهد في الكتاب والسّنّة، منها قوله تعالى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٤٠)} [فصّلت] وقوله - صلى الله عليه وسلم -: " إذا لم تستح فافعل ما شئت " البخاري "صحيح البخاري " (م ٢/ج ٤/ص ١٥٢) كتاب أحاديث الأنبياء.
(٢) مسلم "صحيح مسلم بشرح النّووي" (م ١/ ج ١/ص ١٩٦) كتاب الإيمان. والبخاري "صحيح البخاري" (م ٤/ج ٨/ ص ١٦٤) كتاب التّوحيد.

<<  <   >  >>