والحرام؟! فالقرآن حمّال للمعاني وله ظاهر وباطن، ولا يعرف بالعقل كما يعرف بالنّقل، وعلم الحديث يُجلِّي الآيات.
إذاً فهي دعوى يرمي أصحابها إلى تحريف الكلم عن مواضعه، وتأويل القرآن بما تهوى العقول وتشتهي الأنفس!
وهذه الدّعوى أيضاً تحمل بين طياتها اعتراضاً على الله ورسوله؛ فقد بين الله تعالى حاجة النّاس إلى بيان النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - للقرآن وتوضيحه لهم، فقال: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (٤٤)} [النّحل].
فالنَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مُبيِّن ومفسِّر وموضّح لما أجمله القرآن الكريم، فالله تعالى أمرنا في كتابه بإقامة الصّلاة، وإيتاء الزّكاة فقال: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ... (١١٠)} [البقرة]، وأمرنا بحجّ البيت، فقال: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ... (٩٧)} [آل عمران] لكنَّ القرآن لم يبين لنا عَدَدَ فرائض الصَّلاة، وكيفيتها، ومواقيتها، وشروطها، وفروضها، وسننها، كذلك لم يبين مقادير الزّكاة، ولا أحكام الحجّ، وأعماله، وإنّما بين ذلك كلّه النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -.
ولذلك أثنى الله تعالى على نبيّه - صلى الله عليه وسلم -، فقال: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٢) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ... (٥٣)} [الشّورى] والهداية المثبتة ـ كما هو معلوم ـ هداية الدّلالة، والبيان، والتّفصيل، والتّفسير. فإذا لم نقبل هدي النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وبيانه، وسنّته، وسنّة أصحابه، نقبلُ هَدْيَ مَنْ؟!
كذلك السّنّة جاءت مبيّنة لما هو مُشْكِلٌ في القرآن الكريم، وجاءت مخصّصة لما ورد عاماً، ومقيّدة لما ورد مطلقاً، فضلاً عن أنّها أسّست أحكاماً جديدة لم ترد في كتاب الله تعالى، وليس الكتاب موضوعاً لبحث ذلك، وهذا كلّه مبسوط في كتب علم أصول الفقه وغيره من العلوم.