والخلاصة، ما جاء به النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - قرآناً كان أو حديثاً وحيٌ من الله تعالى، ومَنْ رَدَّ حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد أن ثبتت صحّته فقد أوقع نفسه في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (١٥٠) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (١٥١)} [النّساء].
فمن سمع مخلوقاً يردّ سنّة النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ويشكّك فيها، أو يستهزئ بها، بعد أن أمرنا الله بالأخذ بها، فلا يقعد معه، قال تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (١٤٠)} [النّساء].
فإن قال قائلهم: لكنّ السّنّة لم تُحْفظ كما حُفِظ القرآن؟
فالجواب، أنّها دعوى باطلة، فطالما أنّ القرآن محفوظ فالسُّنَّة محفوظة بالتّبعيّة، لأنّ مِنْ حِفْظِ الله للقرآن حِفْظَ سنّة سيّد الأنام، فحفظ القرآن يقتضي حفظ السّنّة فهما مصدرا التّشريع. وهؤلاء إنّما يريدون أن يَبْخسوا جهودَ عُلمائنا، وما دوّنوا من كتب في أصول الحديث: علومه ومصطلحه، تلك العلوم الّتي أرسى قواعدها الصّحابة، وتابعهم التّابعون وأتباعهم فنقلوها من الصّدور إلى السّطور، وتشمل هذه العلوم: تَحمُّلَ الحديث وأداءه، وعلمَ تاريخ الرّواة، وعلم الجرح والتّعديل، وعلم غريب الحديث، وعلم مختلف الحديث ومشكله، وعلم ناسخ الحديث ومنسوخه، وعلم علل الحديث ...
أمّا مَنْ يحتجُّ بقوله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ... (٣٨)} [الأنعام] وقوله تعالى: {وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا (١٢)} [الإسراء] وقوله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (٨٩)} [النّحل] ويدّعي أنّ الأخذ بالقرآن وحده يغني؛ فالقرآن كامل وما فرّط الله فيه من شيء! ويتوهّم أنّ ما لم يأت