للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المعاني) لا يخفى عليه هذا المعنى الدّقيق، فالآية الكريمة كأنّ ألفاظَها قَوالبٌ لمعانيها، وهو ما يعرف في علم المعاني بالمساواة.

وهناك من يتوهّم أنّ آدم ـ عليه السّلام ـ غير معصوم بدليل أنّ الله تعالى نسب الشّرك إليه وإلى حواء على السّواء في قوله تعالى: {فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (١٩٠)} [الأعراف].

ولو أنّ هذا المتوهّم درس علوم القرآن لانحلَّ عنده هذا الإشكال، وانْجَلتْ له هذه المعضلة؛ فهذا من الموصول لفظاً المفصول معنى، قال تعالى في آدم وحوّاء: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (١٨٩) فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (١٩٠)} [الأعراف].

والنَّاظرُ في الآيتين يعرف أنّ آخر ما ورد عن خبر آدم وحواء وما آتاهما الله من ولد صالح قوله تعالى: {فِيمَا آتَاهُمَا} ويوضّح ذلك عودة ضمير التّثنية إليهما، وتغيّر الضّمير إلى الجمع بعد ذلك؛ فلم يقل الله: عمّا يشركان! فالكلام قد يتّصل بما قبله حتّى يكون كأنّه قَوْلٌ واحدٌ وهو قولان.

ولذلك فإنّ قوله تعالى: {فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (١٩٠)} [الأعراف] من الموصول المفصول، فقد جاء موصولاً في اللفظ لكنّه مفصول في المعنى، فالآية عن أهل مكّة، والمعنى فتعالى الله عمّا يشرك به أهل مكّة من الأصنام، والجملة مسببة، عطفٌ على قوله تعالى: {خَلَقَكُمْ} وما بينهما اعتراض.

ومن أمثلة ما ورد قوله تعالى: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (٧٦) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (٧٧) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ

<<  <   >  >>