للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا ينبغي لنبيّ أن تكون له خائنة الأعين " (١).

أمّا قِصَّة انشغاله عن ابن أمّ مكتوم الأعمى بدعوة كبار المشركين إلى الإسلام والإقبال عليهم أملاً في إسلامهم إعزازاً للدِّين، وعتاب الله تعالى له في ذلك بقوله تعالى: {عَبَسَ وَتَوَلَّى (١) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (٢)} [عبس] وصورة العتاب هذه ليس فيها شيء من إثبات المعصية، لأنّ في العتاب دَفْعَ همّة النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لزيادة التأمّل والتّبصر واختيار الأهمّ والأولى.

والقصّة أخرجها الحاكم عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: " أُنزلت (عبس وتولّى) في ابن أمّ مكتوم الأعمى، قالت: أتى النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فجعل يقول: أرشدني. وعند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عظماء المشركين، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُعرِضُ عنه، ويُقْبِلُ على الآخر، ويقول: أترى بما أقول بأساً؟ فيقول: لا " (٢).

وفي قصّة عبد الله بن أمّ مكتوم فوائدُ بيِّنة: فالله تعالى يعلِّمنا التّلطُّفَ والتَّرفُّقَ بالأعمى. وسبحان الله! ما قرأ عبد هذه الآيات إلاّ اسْتشْعر هذا المعنى، وما رأى عبدٌ أعمى إلاّ تذكر هذه الآيات، فتحمله على الإحسان إليه.

ومن الفوائد أنّ هذه السّورة المؤلّفة من ستَّ عشرة آية ستظلّ تُتْلى ما كرّ الجديدان؛ لتدلَّ على صفتي: الصّدق والتبليغ، فلو كتم النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - شيئاً ممّا أمره الله بتبليغه، لكتم ألوان العتاب هذه!


(١) الحاكم: " المستدرك " (ج ٣/ ص ٤٥) كتاب المغازي، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرّجاه.
(٢) الحاكم " المستدرك " كتاب التفسير (م ٢/ ص ٥١٤) وصححه الحاكم، وقال: أرسله جماعة عن هشام، وقال الذّهبي: وهو الصّواب. أي أنّ الذّهبي رجّح المرسل على الموصول، والمرسل الذّي رجّحه أخرجه مالك في " الموطّأ " (ج ١ / ص ٢٠٣) كتاب القرآن، والترمذي في " الجامع الكبير " (م ٥/ص ٣٥٧/رقم ٣٣٣١) أبواب تفسير القرآن، من نفس الطّريق، وقال: هذا حديث حسن غريب.

<<  <   >  >>