واحتججت بروايتهم فإن أوجب تدليس حماد في روايته ترك حديثه أوجب تدليس هؤلاء الأئمة ترك حديثهم.
فإن قال: يروي عن جماعة حديثا واحدا بلفظ واحد من غير أن يميز بين ألفاظهم. يقال له: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعون يؤدون الأخبار على المعاني بألفاظ متباينة وكذلك كان حماد يفعل كان يسمع الحديث عن أيوب وهشام وابن عون ويونس وخالد وقتادة عن ابن سيرين فيتحرى المعنى ويجمع في اللفظ فإن أوجب ذلك منه ترك حديثه أوجب ذلك ترك حديث سعيد بن المسيب والحسن وعطاء وأمثالهم من التابعين لأنهم كانوا يفعلون ذلك بل الإنصاف في النقلة في الأخبار استعمال الاعتبار فيما رووا.
وإني أمثل للاعتبار مثالا يستدرك به ما وراءه:
كأنا جئنا إلى حماد بن سلمة فرأيناه روى خبرا عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم لم نجد ذلك الخبر عند غيره من أصحاب أيوب فالذي يلزمنا فيه التوقف عن جرحه والاعتبار بما روى غيره من أقرانه. فيجب أن نبدأ فننظر هذا الخبر هل رواه أصحاب حماد عنه أو رجل واحد منهم وحده؟ فإن وجد أصحابه قد رووه علم أن هذا قد حدث به حماد وإن وجد ذلك من رواية ضعيف عنه ألزق ذلك بذلك الراوي دونه.
فمتى صح أنه رواه عن أيوب ما لم يتابع عليه يجب أن يتوقف فيه ولا يلزق به الوهن بل ينظر هل روى أحد هذا الخبر من الثقات عن ابن سيرين غير أيوب؟ فإن وجد ذلك علم أن الخبر له أصل يرجع إليه. وإن لم يوجد ما وصفنا نظر حينئذ: هل روى أحد هذا الخبر عن أبي هريرة غير ابن سيرين من الثقات؟ فإن وجد ذلك علم أن الخبر له أصل وإن لم يوجد ما قلنا نظر: هل روى أحد هذا الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم غير أبي هريرة؟ فإن وجد ذلك صح أن الخبر له أصل ومتى