المعنى الثاني: أن التأويل هو تفسير الكلام سواء وافق ظاهره أم لم يوافق، قال:(وهذا هو معنى التأويل في اصطلاح جمهور المفسرين وغيرهم) يعني إذا قال المفسرون: تأويل هذه الآية، فمعنى كلامهم تفسيرها، وليس مرادهم بذلك صرف اللفظ عن ظاهره إلى معنى مرجوح يحتمله النص لدليل.
قال:(وهذا التأويل يعلمه الراسخون في العلم، وهو موافق لوقف من وقف من السلف على قوله:{وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} ) ، فالراسخون في العلم يعلمون تأويله، ولكن العطف هنا لا يقتضي المشاركة من كل وجه في العلم، بل علم الله سبحانه وتعالى تام لا يلحقه نقص، وأما علم الراسخون في العلم فهو علم قاصر، يشتمل على علم المعاني دون علم الحقائق الذي يشير إليه في المعنى الثالث.
يقول:(كما نقل ذلك عن ابن عباس ومجاهد ومحمد بن جعفر بن الزبير ومحمد بن إسحاق وابن قتيبة وغيرهم، وكلا القولين حق) مقصوده كلا القولين في الوقف: فمن وقف على قوله: ((وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ)) أصاب ومن وقف على قوله: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} أصاب، لكن الأول هو قول الجمهور وقول أكثر السلف، والثاني قال به بعضهم.
قال الشيخ:(وكلا القولين حق باعتبار) يعني: بالنظر إلى جانب (كما بسطناه في موضع آخر؛ ولهذا نقل عن ابن عباس هذا وهذا) يعني: نقل عنه الوقف على لفظ الجلالة، ونقل عنه الوقف على قوله:(وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) ، وكلاهما حق، فما المعنى الصحيح في قوله:(وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ) ؟ العلم المثبت لله وحده دون غيره هو علم الأمور على حقائقها، وكيفيتها، وما تئول إليه وترجع، وعلى القول الآخر في الوقف يكون معنى العلم التفسير، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم لـ ابن عباس في دعائه له (اللهم! فقهه في الدين، وعلمه التأويل) أي: علمه التفسير.