وقال في الاستدلال لهذه الطريقة، وهي وجوب الوقوف على ما جاء عن الله، وعلى ما جاء عن نبيه صلى الله عليه وسلم، وما جاء عن سلف الأمة من القرون المفضلة ومن بعدهم؛ قال رحمه الله:(وما قاله أئمة الهدى بعد هؤلاء الذين أجمع المسلمون على هدايتهم ودرايتهم) ، وهذا استدلال لصحة هذه الطريقة بإجماع الأمة على صحة طريق هؤلاء.
فإن الأمة أجمعت -على اختلاف مشاربها- على أن طريق هؤلاء هو أحسن السبل وهو أحسن الطرق.
قوله:(وهذا هو الواجب على جميع الخلق في هذا الباب وغيره) يعني: في باب الأسماء والصفات وفي باب الغيبيات الذي جاءت الرسل بالإخبار عنه، كالإخبار عما يكون في يوم القيامة وما يتعلق باليوم الآخر وما إلى ذلك من الأمور المغيبة.
قوله:(فإن الله سبحانه وتعالى) : هذا هو التعليل، فبعد أن ذكر الإجماع أتى بالتعليل لصحة هذه الطريقة، وأنها هي الطريقة التي يجب سلوكها قال: قوله: (فإن الله سبحانه وتعالى بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق؛ ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد) ، فإذا كان بعثه بذلك فإن أعظم ما يحتاج إليه الخلق -كما سيذكره الشيخ- هو ما يتعلق بمعرفة الله جل وعلا، إذ إن العباد خلقوا على الفطرة، والفطرة تقتضي أن يتوجه الخلق إلى رب يعبدونه ويحبونه ويلجئون إليه، فإذا كان كذلك فإن من مقتضيات إخراجهم من الظلمات إلى النور أن يخرجهم من الجهل الذي يتعلق بالله عز وجل وأسمائه وصفاته وأفعاله إلى العلم به سبحانه وتعالى الذي هو النور {اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ}[النور:٣٥] ، فهو نور والعلم به من أكمل النور الذي يجب على العبد أن يهتم به ويعتنى به، ولذلك لما كان هذا هو أهم المعلومات، كان أول ما يُسأل عنه العبد في قبره: من ربك؟ لأن بمعرفة الرب تستقيم الأمور كلها.
قال رحمه الله: [فإن الله سبحانه وتعالى بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق؛ ليخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد، وشهد له بأنه بعثه داعياً إليه بإذنه وسراجاً منيراً، وأمره أن يقول:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي}[يوسف:١٠٨] : فالنبي صلى الله عليه وسلم جاء سراجاً منيراً، داعياً إلى الله جل وعلا بإذنه، ثم وصف طريقته: بأنه صلى الله عليه وسلم على بصيرة فيما يتعلق بما يخبر به عن الله جل وعلا، وفيما يتعلق بما يخبر به من أحكامه وشرعه جل وعلا، فهو على بصيرة في الأمر كله، ولذلك إذا كنا نعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم على بصيرة، فالواجب الوقوف على ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم دون زيادة ولا نقصان؛ وذلك لأن الله سبحانه وتعالى قد بعث محمداً؛ ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، فبعثه داعيا إليه سبحانه وتعالى بإذنه، وبعثه سراجاً منيراً، وأمره أن يخبر الناس بأنه على بصيرة.