[حث ابن الماجشون على اتباع الكتاب والسنة في الإخبار عن الله]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
أما بعد: فقال ابن الماجشون رحمه الله تعالى: [وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تمتلئ النار حتى يضع الجبار فيها قدمه فتقول: قط قط، وينزوي بعضها إلى بعض) ، وقال لـ ثابت بن قيس: (لقد ضحك الله مما فعلت بضيفك البارحة) وقال فيما بلغنا: (إن الله تعالى ليضحك من أزلكم وقنوطكم وسرعة إجابتكم، فقال له رجل من العرب: إن ربنا ليضحك؟ قال: نعم، قال لا نعدم من رب يضحك خيراً) ، إلى أشباه هذا مما لا نحصيه.
وقال تعالى: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:١١] وقال: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور:٤٨] ، وقال تعالى: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه:٣٩] ، وقال تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [طه:٧٥] ، وقال تعالى: {وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر:٦٧] ، فوالله! ما دلهم على عظم ما يوصفه من نفسه، وما تحيط به قبضته إلا صغر نظيرها منهم عندهم، إن ذلك الذي ألقي في روعهم وخلق على معرفة قلوبهم، فما وصف الله من نفسه وسماه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم سميناه كما سماه، ولم نتكلف منه صفة ما سواه، لا هذا ولا هذا، ولا نجحد ما وصف، ولا نتكلف معرفة ما لم يصف] .
هذا تكملة لما سبق من كلام ابن الماجشون رحمه الله، ومراد الشيخ من نقل هذا الكلام عنه رحمه الله أن السلف يثبتون الصفات لله سبحانه وتعالى، سواء كانت صفات ذاتية أو فعلية أو خبرية.
فقوله: (لا تمتلئ النار حتى يضع الجبار فيها قدمه) هذا فيه إثبات صفة خبرية له سبحانه وتعالى.
وقوله: (لقد ضحك الله مما فعلت) هذا فيه إثبات صفة فعلية من صفات الله سبحانه وتعالى.
وقوله: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} هذا فيه إثبات الصفات الذاتية له سبحانه وتعالى.
وقوله: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} فيه إثبات الصفة الخبرية، وكذا {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} ، {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} ، {وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} كل هذا فيه إثبات الصفات الخبرية له سبحانه وتعالى.
ثم قال ابن الماجشون رحمه الله: (فوالله ما دلهم على عظم ما يوصفه من نفسه) أي: في قوله تعالى: {وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} (وما تحيط به قبضته إلا صغر نظيرها منهم عندهم) أي: مما جعله الله فيهم عندهم، فما دلهم على عظمة الله سبحانه وتعالى وأنه كبير عظيم جل وعلا إلا صغر ما عندهم، ولكن قوله: (إلا صغر نظيرها) لا يعني المماثلة التامة، إنما المقصود بالنظير هنا ما فيه مشاركة ومشابهة من وجه، أما المماثلة فلا، فيد الله سبحانه وتعالى ليست كيد المخلوقين، بل يده سبحانه وتعالى على ما تليق به، ويد المخلوقين على ما يليق بهم، فلا مماثلة في صفات الله سبحانه وتعالى، وإثبات هذه الصفات له لا يقتضي ما يزعمونه من التشبيه، ولا يقتضي ما يزعمونه من التمثيل والتبعيض له سبحانه وتعالى، فهو كما قال جل وعلا: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:١١] .
ثم قال: (إن ذلك الذي ألقى في روعهم وخلق على معرفة قلوبهم، فما وصف الله من نفسه وسماه على لسان رسوله سميناه كما سماه) فما وصف به نفسه من الصفات كالسمع والبصر والعين واليد والرجل والقبضة وما إلى ذلك، تسمى كما جاءت ولا تؤول ولا تصرف عن ظاهرها، ولم نتكلف منه صفة ما سواه، يعني: لا نطلب أكثر مما جاءت به النصوص، (لا هذا ولا هذا، ولا نجحد ما وصف، ولا نتكلف معرفة ما لم يصف) ، وهذا فيه غاية العدل، وتمام الامتثال لما في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله، نقف حيث وقف، ونقول كما قال دون زيادة ولا نقصان.
وليكن على بالنا أن الغرض من سياق هذه النقول هو بيان مذهب السلف، وأنهم يثبتون لله عز وجل الأسماء والصفات من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، وأما أفراد ما ذكروا من الصفات فسيأتي لبعضها ذكر فيما نستقبل، وبعضها يكتفي الشيخ رحمه الله بما نقله عن السلف فيها.