[صفات الله عز وجل أزلية الوجود حادثة الآحاد]
قال المؤلف رحمه الله: [لم يستحدث تعالى صفة كان منها خلياً، واسماً كان منه برياً تبارك وتعالى، فكان هادياً سيهدي، وخالقاً سيخلق، ورازقاً سيرزق، وغافراً سيغفر، وفاعلاً سيفعل، ولم يحدث له الاستواء إلا وقد كان في صفة أنه سيكون ذلك الفعل؛ فهو يسمى به في جملة فعله] .
هذا يبين لك معنى قوله: (لم يستحدث سبحانه وتعالى صفة كان منها خلياً) يعني: كانت ممتنعة عليه، هذا هو معنى كلامه، وإلا فالاستواء حادث بعد أن لم يكن، لكن لم يكن ممتنعاً عليه، إنما اتصف به لما كان الكمال مقتضياً لاتصافه بهذه الصفة، فليقيد كلامه هنا في قوله: (لم يستحدث سبحانه صفة كان منها خلياً) أي: كانت ممتنعة عليه؛ ولذلك قال: (ولم يحدث له الاستواء إلا وقد كان في صفته أنه سيكون ذلك الفعل) بمعنى: أنه جل وعلا قادر عليه.
[كذلك قال الله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً} [الفجر:٢٢] بمعنى: أنه سيجيء، فلم يستحدث الاسم بالمجيء، وتخلف الفعل لوقت المجيء، فهو جاء سيجيء، ويكون المجيء منه موجوداً بصفة لا تلحقه الكيفية ولا التشبيه؛ لأن ذلك فعل الربوبية فيستحسر العقل، وتنقطع النفس عند إرادة الدخول في تحصيل كيفية المعبود، فلا تذهب في أحد الجانبين لا معطلاً ولا مشبهاً، وارض لله بما رضي به لنفسه، وقف عند خبره لنفسه مسلماً مستسلماً مصدقاً، بلا مباحثة التنفير ولا مناسبة التنقير] .
هي طريقة الممثلة؛ لأنها تنفر العبد عن أن يعبد الله جل وعلا إذا كان الخالق كالمخلوق، فما الذي جعله يستحق العبادة؟! قوله: (ولا مناسبة التنقير) الظاهر أنه يشير إلى طريقة المعطلة الذين ينقرون ويدققون ويتمحلون في أسماء الله وصفاته ليصرفوها عن ظاهرها الذي دلت عليه النصوص والألفاظ.
وهذا الكلام من أحسن الكلام، لا سيما النقل الأول الذي فيه مداخل الشيطان على الخلق في باب الأسماء والصفات، فإنه أولاً يأتيهم بالتمثيل، ثم يأتيهم بعد ذلك بالتعطيل، فكلامه رحمه الله وغفر له جيد.
[إلى أن قال: فهو تبارك وتعالى القائل: أنا الله، لا الشجرة، الجائي قبل أن يكون جائياً؛ لا أمره، المتجلي لأوليائه في المعاد، فتبيض به وجوههم، وتفلج به على الجاحدين حجتهم، المستوي على عرشه بعظمة جلاله فوق كل مكان تبارك وتعالى، الذي كلم موسى تكليماً وأراه من آياته، فسمع موسى كلام الله؛ لأنه قربه نجياً، تقدس أن يكون كلامه مخلوقاً أو محدثاً أو مربوباً] .
وهذا بعكس المخلوق الذي لابد أن يكون مربوباً، فكل مخلوق مربوب، ولابد له من خالق يحدثه.
[الوارث بخلقه لخلقه، السميع لأصواتهم، الناظر بعينه إلى أجسامهم، يداه مبسوطتان، وهما غير نعمته، خلق آدم ونفخ فيه من روحه -وهو أمره- تعالى وتقدس أن يحل بجسم، أو يمازج بجسم، أو يلاصق به، تعالى عن ذلك علواً كبيراً، الشائي له المشيئة، العالم له العلم] .
فيه رد على الذين يثبتون الأسماء دون معانيها، ويقولون: عالم بلا علم, سميع بلا سمع, بصير بلا بصر، فهذا من أجود الكلام في الرد عليهم، رحم الله المؤلف وغفر له.
قال المؤلف رحمه الله: [الباسط يديه بالرحمة، النازل كل ليلة إلى سماء الدنيا ليتقرب إليه خلقه بالعبادة، وليرغبوا إليه بالوسيلة، القريب في قربه من حبل الوريد، البعيد في علوه من كل مكان بعيد، ولا يشبه بالناس -إلى أن قال-: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر:١٠] ، القائل: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً} [الملك:١٦-١٧] تعالى وتقدس أن يكون في الأرض كما هو في السماء، جل عن ذلك علواً كبيراً.
اهـ