قال:(والمعنى الثالث: أن التأويل هو الحقيقة التي يئول الكلام إليها، وإن وافقت ظاهره، فتأويل ما أخبر الله به في الجنة من الأكل والشرب واللباس والنكاح وقيام الساعة وغير ذلك هو الحقائق الموجودة أنفسها) وهذا لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، أي: حقائق هذه المخبرات من الأكل والشرب والنعيم في الجنة ورؤية الله سبحانه وتعالى، وجميع ما أخبر به الله سبحانه وتعالى عن اليوم الآخر لا يعلم حقيقة ذلك إلا الله سبحانه وتعالى.
قال:(لا ما يتصور معانيها في الأذهان ويعبر عنه باللسان) فهذا شيء آخر.
قال:(وهذا هو التأويل في لغة القرآن) أي: التأويل في لغة القرآن هو ما يئول إليه الأمر ويرجع، يعني: حقيقة ما يئول إليه الكلام، واستدل لذلك بقوله:{يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ}[يوسف:١٠٠] ، يعني: هذا حقيقة ما رأيت، ومآل ما رأيت، وهذا لما سجد له أبوه وإخوته قال:{يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً}[يوسف:١٠٠] ، وفي قوله:{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ}[الأعراف:٥٣] يعني: يوم يأتي حقيقة ما وعدوا به ويقع ما أخبروا به {يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ}[الأعراف:٥٣] ؛ لأنه تطابق الخبر مع المخبر فقالوا:{قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ} .
قال:(وتأويل الصفات هو الحقيقة التي انفرد الله سبحانه وتعالى بعلمها) ، تأويل الصفات يعني حقيقتها، وأما تفسيرها ومعرفة معانيها الظاهرة فهذا يعرفه كل صاحب لسان.
(وهو الكيف المجهول، فالاستواء معلوم يعلم معناه، ويفسر ويترجم بلغة أخرى، وهو من التأويل الذي يعلمه الراسخون في العلم، وأما كيفية ذلك الاستواء فهو التأويل الذي لا يعلمه إلا الله) ، وبهذا يتبين المعنى الصواب على كلا الوقفين.
نلخص ما مضى: التأويل له ثلاث معان: المعنى الأول: صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح لدليل.