للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[العبودية العامة والعبودية الخاصة]

قال رحمه الله: [وكذلك قوله: {عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً} [الإنسان:٦] ، وقوله: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً} [الإسراء:١] فإن العبد تارة يعنى به المعبَّد فيعم الخلق] .

وذلك كما يقال: طريق معبَّدة أي: مذللة، فالخلق كلهم عبيد لله عز وجل بهذا المعنى العام، أي: أنهم ذليلون لله لا مناص لهم ولا إمكانية أن يخرجوا عن أحكامه سبحانه وتعالى القدرية الكونية.

قال: [كما في قوله: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً} [مريم:٩٣] ،وتارة يعنى به العابد؛ فيختص، ثم يختلفون] .

المراد: العابد بالأمر الشرعي الديني، لا العابد بالأمر الكوني القدري، فالعابد بالأمر الكوني القدري يدخل في مثل قوله: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً} ، ويدخل في ذلك الكفار والمشركون وأهل الكتاب والنصارى، والمحادون لله ورسوله، لكن المعنى الخاص في مثل قوله: {عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً} المقصود: أهل العبادة الشرعية الدينية الذين امتثلوا أمر الله عز وجل الشرعي فقاموا به، وكذا قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً} فهنا العبودية التي وصف بها النبي صلى الله عليه وسلم هي أعلى أنواع العبادة الدينية الشرعية التي تطلق ويراد بها العابد.

قال: [فمن كان أعبد علماً وحالاً كانت عبوديته أكمل، فكانت الإضافة في حقه أكمل مع أنها حقيقة في جميع المواضع، ومثل هذه الألفاظ يسميها بعض الناس (مشككة) ؛ لتشكك المستمع فيها هل هي من قبيل الأسماء المتواطئة أو من قبيل المشتركة في اللفظ فقط؟] .

الأسماء المتواطئة هي: ما اتحد لفظه ومعناه، كالإنسان يطلق على زيد وعمرو ومحمد وعلي بمعنى واحد، فاللفظ واحد والمعنى واحد، أو من قبيل المشتركة في اللفظ فقط دون المعنى، فهي مشتركة في اللفظ لكن معناها يختلف باختلاف الأفراد، فتقول مثلاً: نور القمر ونور الشمس ونور المصباح، فمعنى النور في هذه الإضافات مختلف، وذلك من جهة القوة والشدة والضعف، وما إلى ذلك.

[والمحققون يعلمون أنها ليست خارجة عن جنس المتواطئة] .

لأن اللفظ المشكِكِ داخل في الأسماء المتواطئة، وهي ما اتحد لفظه ومعناه.

[إذ واضع اللغة إنما وضع اللفظ بإزاء القدر المشترك، وإن كانت نوعاً مختصاً من المتواطئة، فلا بأس بتخصيصها بلفظ] .

فالعبودية فيها معنى مشترك وهو الذلة، لكن هذا المعنى يختلف، فالعابد لله عز وجل شرعاً تحقق فيه كمال العبودية القدرية التي يشترك فيها جميع المخلوقات، وتحقق فيه العبادة الخاصة وهي العبادة الشرعية التي يتميز بها عباد الله، فالمعنى المشترك موجود بين من تعبد لله شرعاً، وبين من لم يتعبد له شرعاً، أي: أن الكافر والمؤمن يشتركان في أنهما عبدان لله، من جهة أن أمر الله الكوني القدري يمضي عليهما، لكن المؤمن تميز بأنه تعبد لله شرعاً: أطاع أمره ونهيه، فتميزه بالعبادة الشرعية لا يخرجه عن وصف العبودية؛ هذا معنى كلامه.

<<  <  ج: ص:  >  >>