[تقرير الأشعري لصفة اليدين والرد على من أولها]
قال المؤلف رحمه الله: [ثم قال: باب الكلام في الوجه والعينين والبصر واليدين، وذكر الآيات على ذلك.
ورد على المتأولين لها بكلام طويل لا يتسع هذا الموضع لحكايته: مثل قوله: فإن سئلنا أتقولون لله يدان؟ قيل: نقول ذلك، وقد دل عليه قوله تعالى: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح:١٠] ، وقوله تعالى {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:٧٥] ، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله مسح ظهر آدم بيده فاستخرج منه ذريته) وقد جاء في الخبر المذكور عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله خلق آدم بيده، وخلق جنة عدن بيده، وكتب التوراة بيده، وغرس شجرة طوبى بيده) وليس يجوز في لسان العرب ولا في عادة أهل الخطاب أن يقول القائل: عملت كذا بيدي، ويريد بها النعمة، وإذا كان الله إنما خاطب العرب بلغتها، وما يجري مفهوماً في كلامها ومعقولاً في خطابها، وكان لا يجوز في خطاب أهل البيان أن يقول القائل: فعلت كذا بيدي، ويعني: بها النعمة، بطل أن يكون معنى قوله تعالى: (بِيَدَيَّ) النعمة.
وذكر كلاماً طويلاً في تقرير هذا ونحوه] .
وهذا كما ذكر في هذا النقل، أن الصواب إثبات هذه الصفة لله سبحانه وتعالى وهي صفة اليدين، وهما ثابتتان له سبحانه وتعالى على الوجه الذي يليق به، وأما تأويل المؤولين لهذه الصفة بأنها القدرة أو النعمة فهذا تأويل غلط، لا تدل عليه النصوص، بل النصوص دالة على خلافه.
وأجاب على تأويل اليدين بالنعمة بأجوبة، فبعد أن ذكر الآيات والنصوص الدالة على إثبات صفة اليدين له سبحانه وتعالى قال: (وليس يجوز في لسان العرب ولا في عادة أهل الخطاب أن يقول القائل: عملت كذا بيدي، ويريد بها النعمة) ؛ لأن التثنية لا يراد بها إلا عين المعدود، ومعلوم أن نعمة الله سبحانه وتعالى لا حصر لها ولا إحصاء؛ لقول الله تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} [النحل:١٨] فيستحيل إحصاؤها إن عدت.
إذاً: هذا الوجه الأول في إبطال تفسير اليدين بالنعمة: وهو أن اللفظ جاء بصيغة التثنية، والتثنية لا ترد إلا ويقصد منها العدد المذكور، بخلاف الجمع فقد يرد للتعظيم، وبخلاف المفرد فقد يراد به الجنس، ولذلك كانت هذه الصيغة التي وردت في إثبات صفة اليدين من أقوى الأدلة على إثبات هذه الصفة؛ لأنه لا مجال للتأويل فيها، بخلاف الإفراد والجمع، فقد يقال: إن الجمع للتعظيم، وقد يقال: إن الإفراد لجنس النعمة وليس المراد اليد الحقيقية، مع أن الأدلة التي فيها الإفراد والجمع دالة أيضاً على إثبات صفة اليد له سبحانه وتعالى؛ لأنه لا تنسب هذه الصفة إلا لمن له يد، إذ لا تذكر الصفة وتضاف إلى شيء إلا لمن كان متصفاً بها، فلا يقال: هذا ما عمله بيده إلا لمن كان له يد، بل لابد أن يكون من أضيفت إليه اليد موصوفاً بها.
قال: (وإذا كان الله إنما خاطب العرب بلغتها وما يجري مفهوماً في كلامها، ومعقولاً في خطابها، وكان لا يجوز في خطاب أهل اللسان أن يقول القائل: فعلت بيدي ويعني بها النعمة, بطل أن يكون معنى قوله تعالى: (بيدي) النعمة.
وذكر كلاماً طويلاً في تقرير هذا ونحوه) والكلام في تقرير هذه الصفة طويل، والمراد أن صفة اليد ثابتة لله سبحانه وتعالى وقد وردت في كتابه تعالى على ثلاثة أوجه: وردت بالإفراد، ووردت بالتثنية، ووردت بالجمع.
الإفراد كقوله: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح:١٠] وكقوله: {وَقَالَتْ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} [المائدة:٦٤] ، والتثنية كقوله: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:٧٥] , والجمع كقوله: {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا} [يس:٧١] وكلها دالة على إثبات هذه الصفة له سبحانه وتعالى.