للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شبه المتكلمين بالمنافقين]

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: فيقول شيخ الإسلام رحمه الله تعالى رحمة واسعة: [وإن كان هذا الرد لا يزيد الأمر إلا شدة، ولا يرتفع الخلاف به؛ إذ لكل فريق طواغيت يريدون أن يتحاكموا إليهم وقد أمروا أن يكفروا بهم.

وما أشبه حال هؤلاء المتكلمين بقوله سبحانه وتعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيدًا * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا * فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا} [النساء:٦٠-٦٢] ، فإن هؤلاء إذا دعوا إلى ما أنزل الله من الكتاب وإلى الرسول - والدعاء إليه بعد وفاته هو الدعاء إلى سنته - أعرضوا عن ذلك وهم يقولون: إنا قصدنا الإحسان علماً وعملاً بهذه الطريق التي سلكناها، والتوفيق بين الدلائل العقلية والنقلية] .

في هذا المقطع يشبه الشيخ -رحمه الله- هؤلاء المتكلمين بالمنافقين الذين ذكر الله جل وعلا عنهم في كتابه: إعراضهم عن التحاكم إليه والرجوع إليه فيما يقع بينهم من نزاع، وذلك أن هؤلاء رأوا أنهم إذا اختلفوا في شيء لا يرجعون إلى الكتاب والسنة؛ لأن الكتاب والسنة لا يدلان على الله! بل يرجعون في نزاعهم وخلافهم إلى ما تقتضيه العقول والأقيسة، وما قعدوه من قواعد في باب أسماء الله وصفاته وفي غيرها من القضايا التي خالفوا فيها سلف الأمة.

فهؤلاء معهم شعبة من شعب النفاق الكبيرة التي يُخشى على صاحبها الكفر؛ لأن من أعرض عن الكتاب والسنة وأقبل على العقول وأقوال الرجال فقد ضل ضلالاً بعيداً، والواجب على كل مؤمن يريد إصابة الحق والتزام الصراط المستقيم أن يسلك ما سلكه السلف الصالحون من اتباع كتاب الله وسنة رسوله.

ثم بين الشيخ رحمه الله أن هؤلاء إذا دعوا إلى ما أنزل الله من الكتاب وإلى الرسول أعرضوا عن ذلك وهم يقولون: (إنا قصدنا الإحسان علماً وعملاً بهذه الطريقة التي سلكناها) أي: طريقة التأويل وطريقة اعتماد العقول في تقرير ما يجب لله عز وجل وما يمتنع عليه في باب الأسماء والصفات.

ثم قال: (والتوفيق بين الدلائل العقلية والنقلية) ، وكأنهم بهذا يقولون: إن أدلة النقل تخالف أدلة العقل فلابد من توفيق، ولا يتم التوفيق إلا بصرف النصوص عن ظواهرها حتى تستقيم مع العقول، وهذا من أكذب الكذب ومن أعظم البهتان؛ فإن الشريعة لم تأت بما تحيله العقول وتمنعه, بل جاءت بما قد تحار فيه العقول وقد لا تدركه.

فينبغي أن يوقن المؤمن أن ما في كتاب الله سبحانه وتعالى وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم لا يخالف العقل بالكلية، بل هو موافق للعقل، وأن أي عقل خالف الكتاب والسنة فإنه عقل فاسد إنما أتي من خطأ في قياسه.

ثم بين الشيخ رحمه الله: أن الرجوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم في حياته إليه وبعد مماته ووفاته إلى سنته صلى الله عليه وسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>