قال: [فأما المتوسطون من المتكلمين فيخاف عليهم ما لا يخاف على من لم يدخل فيه وعلى من قد أنهاه نهايته، فإن من لم يدخل فيه فهو في عافية، ومن أنهاه فقد عرف الغاية، فما بقي يخاف من شيء آخر، فإذا ظهر له الحق وهو عطشان إليه قبله، وأما المتوسط فيتوهم بما يتلقاه من المقالات المأخوذة تقليداً لمعظم هؤلاء.
وقد قال بعض الناس: أكثر ما يفسد الدنيا: نصف متكلم، ونصف متفقه، ونصف متطبب، ونصف نحوي، هذا يفسد الأديان، وهذا يفسد البلدان، وهذا يفسد الأبدان، وهذا يفسد اللسان.
ومن علم أن المتكلمين من المتفلسفة وغيرهم في الغالب {لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ * يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ}[الذاريات:٨-٩] ؛ يعلم الذكي منهم والعاقل أنه ليس هو فيما يقوله على بصيرة] .
يعني: هو فيما يقوله في الحقيقة بين شبهة وخيال، بلا حجة يعتمد عليها ويستند إليها وينطلق منها، إنما هو في شبه وخيال؛ ولذلك تجده ينقض ويرد على نفسه بنفسه، ولا يحتاج أن ينقضها خصمه، فتجده يثبت في كلامه ما نفاه، وينفي ما أثبته، وهذا لتناقضه وضعف حججه، ودلالة القول الصحيح والدليل السليم عدم التناقض، فالتناقض دليل فساد القول.