فيقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: [وروى أبو القاسم اللالكائي الحافظ الطبري؛ صاحب أبي حامد الإسفرائيني في كتابه المشهور في أصول السنة بإسناده عن محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة قال: اتفق الفقهاء كلهم -من المشرق إلى المغرب- على الإيمان بالقرآن والأحاديث التي جاء بها الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفة الرب عز وجل: من غير تفسير ولا وصف ولا تشبيه، فمن فسر اليوم شيئاً منها فقد خرج مما كان عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفارق الجماعة، فإنهم لم يصفوا ولم يفسروا، ولكن أفتوا بما في الكتاب والسنة ثم سكتوا، فمن قال بقول جهم فقد فارق الجماعة؛ لأنه قد وصفه بصفة لا شيء.
ومحمد بن الحسن أخذ عن أبي حنيفة ومالك وطبقتهما من العلماء، وقد حكى هذا الإجماع، وأخبر أن الجهمية تصفه بالأمور السلبية غالباً أو دائماً.
وقوله (من غير تفسير) ، أراد به تفسير الجهمية المعطلة الذين ابتدعوا تفسير الصفات بخلاف ما كان عليه الصحابة والتابعون من الإثبات] .
هذا الكلام من الإمام محمد بن الحسن رحمه الله، وهو أحد صاحبي أبي حنيفة اللذين تلقيا كلاماً بيناً واضحاً في أن السلف رحمهم الله جروا في باب الأسماء والصفات على الإثبات لما جاء في الكتاب والسنة، دون تعرض لتأويل هذه الصفات، وتحريف لها عن معناها الظاهر.
وأما قوله:(فإنهم لم يصفوا ولم يفسروا) فقد فسره الشيخ رحمه الله في كلامه، فالتفسير المنفي عن السلف هو التفسير الذي سلكه الجهمية والمعطلة من التأويل والتحريف للكلم عن مواضعه، بصرفه عن ظاهره المتبادر إلى معانٍ مرجوحة، ولذلك فقوله:(لم يصفوا ولم يفسروا) أي: لم يؤولوا التأويل الباطل الذي سلكه المتكلمون المفارقون لطريقة أهل السنة والجماعة.