قال:(ولا نبتدع في دين الله ما لم يأذن لنا به ولا نقول على الله مالا نعلم، ونقول إن الله يجيء يوم القيامة) وهذا فيه إثبات صفة المجيء وهي صفة فعلية.
(كما قال: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً} ، وأن الله يقرب من عباده كيف شاء) وهذا فيه إثبات صفة القرب له سبحانه وتعالى، واستدل لها بقوله تعالى:{وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} ، وهذه الآية فيها أن القرب صفة عامة كالمعية، تكون مع كل إنسان، إلا أن في هذا نظراً؛ لأن القرب على الصحيح ليس صفة عامة، وليس من كل أحد، بل هو قرب خاص، فإن الله سبحانه وتعالى قريب من أهل الموقف يوم عرفة، وقريب ممن دعاه، وقريب من العبد حال سجوده، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:(أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد) فهو قرب خاص وليس قرباً عاماً لكل أحد.
وأما قوله:((وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ)) فقد اختلف أهل العلم في تأويلها على قولين: منهم من جعل الضمير عائداً إلى الله جل وعلا، ومنهم من جعل الضمير عائداً إلى الملائكة، وهذا الثاني هو الصحيح، فالضمير في قوله:{وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} عائد إلى الملائكة لا إلى الله جل وعلا، ويدل على هذا ما بعد هذه الآية من الآيات التي تفسر وتبين القرب المذكور، قال تعالى:{وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}[ق:١٦] * {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ}[ق:١٧] فبين معنى القرب المذكور في هذه الآية، وهو قرب الملائكة التي تسجل وتكتب ما يصدر عن العبد من أقوال.
(وكما قال: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى}[النجم:٨-٩] ) وهذا لو قلنا بدلالته على قربه سبحانه وتعالى فإنه ليس عاماً بل هو قرب خاص للنبي صلى الله عليه وسلم، على أن هذه الآية في تأويلها نزاع، فمن أهل العلم من يقول: إن القرب والدنو المذكور في هذه الآية هو قرب النبي من الله جل وعلا، ومنهم من يقول: إن الدنو والقرب المذكور في هذه الآية هو قرب جبريل، وهذا هو الصحيح وأن الذي دنا وتدلى هو جبريل.
قوله:(إلى أن قال: وسنحتج لما ذكرنا من قولنا وما بقي مما لم نذكره باباً باباً) هذا أيضاً في إثبات صفة القرب.
قال المؤلف رحمه الله:[ثم تكلم على أن الله يُرى، واستدل على ذلك، ثم تكلم على أن القرآن غير مخلوق واستدل على ذلك، ثم تكلم على من وقف في القرآن وقال: لا أقول: إنه مخلوق ولا غير مخلوق، ورد عليه] أي: وأن هذا ابتداع في الدين وعدم سلوك لطريق أهل السنة والجماعة الذين يثبتون أن القرآن كلام الله سبحانه وتعالى منه بدأ وإليه يعود.