للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ليست الفراسة من أمر الفقه]

قوله: [ومن ادعى أنه يعرف مآل الخلق ومنقلبهم، وعلى ماذا يموتون عليه ويختم لهم -بغير الوحي من قول الله وقول رسوله- فقد باء بغضب من الله، والفراسة حق على أصول ما ذكرناه] .

إنما ذكر هذا الكلام؛ لأن بعض الناس يزعم معرفة هذه الأمور، فيزعم أنه يعرف مقامات الخلق ومقاديرهم ومنقلبهم ومآلهم بالفراسة، والفراسة أمر غير علم الغيب، فعلم الغيب لا يعلمه إلا الله جل وعلا، وأما الفراسة: فهي تأمل ونظر وكشف يؤتيه الله سبحانه وتعالى بعض خلقه، لكنهم لا يجزمون ولا يدعون علم ما لم يعلمون، بل يستأنسون بها ويعرفون بها بعض أحوال الرجال وأحوال الناس، فهي معرفة الشيء بمقدماته، بخلاف الغيب فلا مقدمات في الغيب، وهذا العلم استأثر الله به، ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها) وذكر العكس صلى الله عليه وسلم، فعلم الغيب أمره إلى الله لا يعلمه أحد.

والفراسة: هي نظر في أحوال الناس بمقدمات يستأنس بها لكن لا يجزم بها، وقد ذكرت في كتاب الله تعالى في قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ} [الحجر:٧٥] ، قال المفسرون: للمتفرسين أهل الفراسة، وذكرت في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي: (اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله) ، وبه يعلم أن الفراسة أمر غير علم الغيب؛ لأنها مستمدة من إلهام الله عز وجل، وما يقذفه في قلب العبد، ولا يجزم بها، والحديث هذا اختلف أهل العلم في ثبوته على قولين: منهم من ضعفه، ومنهم من أثبته، وقد حسنه الشوكاني لكثرة طرقه.

قوله: [وليس ذلك ما رسمناه في شيء، ومن زعم أن صفاته تعالى بصفاتهم -ويشير في ذلك إلى غير آية العظمة والتوفيق والهداية- وأشار إلى صفاته عز وجل القديمة: فهو حلولي قائل باللاهوتية والالتحام، وذلك كفر لا محالة] .

(من زعم أن صفاته) يعني: صفات الله جل وعلا (بصفاتهم) يعني: مشتركة مع صفات البشر، فالضمير الأول مرجعه إلى الله، والثاني إلى البشر.

قوله: (ويشير بذلك إلى آية العظمة والتوفيق والهداية وأشار إلى صفاته عز وجل القديمة فهو حلولي) يعني: من قال إن صفاته تحل فيه (فهو حلولي، قائل باللاهوت والالتحام) وهو قول النصارى الذين يقولون: إن الله يحل في بعض خلقه.

(وذلك كفر لا محالة) نعوذ بالله منهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>