[حكم القصائد والقراءة الملحنة]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، أحمده سبحانه وتعالى، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبعه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فيقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في رسالته الحموية: [ونعتقد أن القراءة الملحنة بدعة وضلالة، وأن القصائد بدعة، ومجراها على قسمين: فالحسن من ذلك من ذكر آلاء الله ونعمائه وإظهار نعت الصالحين، وصفة المتقين، فذلك جائز، وتركه والاشتغال بذكر الله والقرآن والعلم أولى به، وما جرى على وصف المرئيات ونعت المخلوقات فاستماع ذلك على الله كفر، واستماع الغناء والربعيات على الله كفر، والرقص بالإيقاع ونعت الرقاصين على أحكام الدين فسق، وعلى أحكام التواجد والغناء لهو ولعب، وحرام على كل من يسمع القصائد والربعيات الملحنة -الجائي بين أهل الأطباع- على أحكام الذكر إلا لمن تقدم له العلم بأحكام التوحيد ومعرفة أسمائه وصفاته، وما يضاف إلى الله تعالى من ذلك وما لا يليق به عز وجل مما هو منزه عنه فيكون استماعه كما قال: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزمر:١٨] ، وكل من جهل ذلك، وقصد استماعه على الله على غير تفصيله فهو كفر لا محالة، فكل من جمع القول وأصغى بالإضافة إلى الله فغير جائز، إلا لمن عرف بما وصفت من ذكر الله ونعمائه، وما هو موصوف به عز وجل مما ليس للمخلوقين فيه نعت ولا وصف، بل ترك ذلك أولى وأحوط، والأصل في ذلك أنها بدعة، والفتنة فيها غير مأمونة على استماع الغناء.
والربعيات بدعة، وذلك مما أنكره المطلبي ومالك والثوري ويزيد بن هارون وأحمد بن حنبل وإسحاق، والاقتداء بهم أولى من الاقتداء بمن لا يعرفون في الدين، ولا لهم قدم عند المخلصين، وبلغني أنه قيل لـ بشر بن الحارث: إن أصحابك قد أحدثوا شيئاً يقال له: القصائد.
قال: مثل أيش؟ قال: مثل قوله: اصبري يا نفس حتى تسكني دار الجليل فقال: حسن! وأين يكون هؤلاء الذين يستمعون ذلك؟ قال: قلت: ببغداد، فقال: كذبوا والله الذي لا إله غيره لا يسكن ببغداد من يستمع ذلك.
قال أبو عبد الله: ومما نقول -وهو قول أئمتنا-: أن الفقير إذا احتاج وصبر ولم يتكفف إلى وقت يفتح الله له كان أعلى، فمن عجز عن الصبر كان السؤال أولى به على قوله صلى الله عليه وسلم: (لأن يأخذ أحدكم حبله) الحديث.
ونقول: إن ترك المكاسب غير جائز إلا بشرائط موسومة من التعفف والاستغناء عما في أيدي الناس، ومن جعل السؤال حرفة وهو صحيح فهو مذموم في الحقيقة خارج.
ونقول: إن المستمع إلى الغناء والملاهي فإن ذلك كما قال عليه السلام: (الغناء ينبت النفاق في القلب) وإن لم يكفر فهو فسق لا محالة] .
فقد تقدم التعليق على هذه الصفحة من كلام ابن الخفيف رحمه الله، وهو في إبطال ما عليه الصوفية من الإقبال والانكباب على القصائد الملحنة، وعلى الغناء، وجعل ذلك من القربات التي يتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى.
ولا شك أن ما عليه أهل التصوف من التعبد لله سبحانه وتعالى بسماع الغناء والتلحين -وما إلى ذلك- أنه منكر في الدين، وليس مما جاء به المرسلون، بل هو مما أحدثه البطالون من أتباع الهوى الذين شرعوا من الدين ما لم يأذن به الله، وقد أنكر أهل العلم على هؤلاء قديماً وحديثاً، وبينوا أن الله جل وعلا لم يأمر عباده بأن يتقربوا إليه بالأغاني الملحنة؛ لا بسماعها، ولا بالإقبال عليها، ولا بغير ذلك مما اخترعه هؤلاء وابتدعوه، ويخشى على من اعتقد أن سماع الغناء قربة أن يكون داخلاً في قول الشيخ رحمه الله: (وكل من جهل ذلك وقصد استماعه على الله) أي: قصد استماعه تقرباً لله جل وعلى (على غير تفصيله؛ فهو كافر لا محالة) .
فالواجب على المرء أن يعلم أن الدين ما شرعه الله سبحانه، فإن الله سبحانه وتعالى لا يعبد إلا بما شرع، وقد رد على هؤلاء الشيخ ابن القيم رحمه الله في كتابه (السماع) وابن رجب وغيرهما من أهل العلم، ردوا على الصوفية هذه البدعة المحدثة، كما أن شيخ الإسلام رحمه الله رد عليهم رداً مفصلاً في كتابه (الاستقامة) .