[أقسام أهل التخييل في موقفهم من علم الرسل بما أخبروا به]
ثم هؤلاء الضلال المكذبون لله ورسوله على قسمين:(منهم من يقول: إن الرسول لم يعلم الحقائق على ما هي عليه، ويقولون: إن من المتفلسفة الإلهية من علمها، وكذلك من الأشخاص الذين يسمونهم الأولياء من علمها، ويزعمون أن من الفلاسفة والأولياء من هو أعلم بالله وباليوم الآخر من المرسلين) ، ومن الكفر المبين أن يُجعل هؤلاء الضلال أعلم بالله من الرسل الصادقين المصدقين، (وهذه مقالة غلاة الملحدين من الفلاسفة والباطنية) ، قال:(باطنية الشيعة وباطنية الصوفية) ؛ فالباطنية: منها ما يوجد عند الشيعة ومنها ما يوجد عند الصوفية ومنها ما يوجد عند غيرهم.
فمن باطنية الشيعة: الإسماعيلية الذين يقولون إن ما أخبر الله سبحانه وتعالى به إنما هو تخييل لا حقيقة له، فلا بعث ولا نشور ولا صحة لما ذكر الرسل عن الله عز وجل من الأسماء والصفات وغير ذلك من الأقوال الباطلة.
وباطنية الصوفية: كـ ابن عربي والحلاج وغيرهم من الذين ضلوا واعتقدوا الكذب من الرسل فيما أخبروا، وأنهم يتلقون عن الله عز وجل، وأن ما تخبر به الرسل ليس على الحقيقة إنما هو لأجل نفع الناس.
قال:(ومنهم من يقول) وهذا القسم الثاني: (بل الرسول علمها) يعني: علم حقائق ما أخبر الله سبحانه وتعالى به عن نفسه أو أخبر به سبحانه وتعالى عما يكون في اليوم الآخر، (لكن لم يبينها وإنما تكلم بما يناقضها) وهذا من أعظم الافتراء والكذب على الرسل، وهذه بدعة مغلظة، وهي أشد من الأولى؛ لأن الأولى فيها تهمة الأنبياء بعدم العلم، والثانية فيها تهمتهم بالعلم والتضليل، وهذا هو سبيل المغضوب عليهم الذين علموا وكتموا ولم يعملوا بما علموا، وأما القسم الأول فهو سبيل الضالين الذين لم يعلموا.
والأنبياء منزهون عن هذين الطريقين، فطريقهم تام العلم تام العمل؛ ولذلك شرع الله لأهل الإيمان أن يسألوه سبحانه وتعالى أن يهديهم صراطه المستقيم {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ}[الفاتحة:٦-٧] ، وهم الرسل والأنبياء والصالحون والشهداء، ولتوضيح هذا السبيل استثنى طريقين، فالمغضوب عليهم: هم الذين علموا ولم يعملوا، والضالون: هم الذين عملوا بلا علم، فالفلاسفة جعلوا الأنبياء والرسل إما من المغضوب عليهم أو من الضالين، وهذا فيه أعظم التكذيب لهم والفرية عليهم، والتنقص لله جل وعلا الذي أقر هؤلاء وأيدهم ونصرهم.