ثم قال:(ومذهبهم باطل أنكره السلف وإليه توجه الرد بالحق، أما الثاني: من يجريها على ظاهرها اللائق بجلال الله، كما يجري ظاهر اسم العليم، والقدير، والرب، والإله، والموجود، والذات) فالعليم والقدير والرب والإله كل هذه من أسماء الله سبحانه وتعالى، وأما الموجود والذات فهذه ليست أسماء لله؛ لأن الأسماء مبناها على التوقيف، ولم يرد في الكتاب ولا في السنة ما يدل على أن الله يسمى بهذين الاسمين، وإنما ذكرهما الشيخ رحمه الله تبعاً، وليس مراده أن الله سبحانه وتعالى يسمى بالموجود أو أنه يسمى بالذات.
قال:(ونحو ذلك على ظاهرها اللائق بجلال الله، فإن ظواهر هذه الصفات في حق المخلوق إما جوهر محدث) جوهر تقدم لنا تفسيره في الدرس السابق وهو حقيقة الشيء، ويفسره المتكلمون بالمتحيز (إما جوهر محدث وإما عرض قائم به) يعني: قائماً بذلك الجوهر المحدث.
هذا بالنسبة للمخلوق، فإثبات هذه الصفات بالنسبة للمخلوق إما جوهر محدث، وإما أعراض تقوم بهذا الجوهر، وأما بالنسبة لله سبحانه وتعالى فهي ليست كالتي تثبت للمخلوق، بل الذي له سبحانه وتعالى يليق به، ولا يلزم عليه هذه اللوازم التي يذكرونها, قال:(فالعلم والقدرة والكلام والمشيئة والرحمة والرضا والغضب ونحو ذلك في حق العبد أعراض، والوجه واليد والعين في حقه -يعني: في حق المخلوق- أجسام، -أي: جوهر- فإذا كان الله موصوفاً عند عامة أهل الإثبات بأن له علماً وقدرةً وكلاماً ومشيئةً، وإن لم يكن ذلك عرضاً يجوز عليه ما يجوز على صفات المخلوقين, جاز أن يكون وجه الله ويداه صفات ليست أجساماً يجوز عليها ما يجوز على صفات المخلوق) وهذا إلزامهم ببعض ما قالوه، فلما قالوا بجواز وصف الله سبحانه وتعالى بالعلم والقدرة والإرادة والحياة والكلام والمشيئة وغير ذلك من الصفات الذاتية والفعلية التي يثبتونها؛ جاز وصفه بذلك، ولم يلزم من هذا الإثبات مشابهتها لما اتصف به المخلوق، وكذلك في الصفات الخبرية كالوجه واليدين والعين وما أشبه ذلك، فلا تلازم بين إثبات هذه وبين التمثيل، بل نثبتها على الوجه الذي يليق بالله من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل.
قال:(فإن كان الله موصوفاً عند عامة أهل الإثبات بأن له علماً وقدرة وكلاماً ومشيئة، وإن لم يكن ذلك عرضاً يجوز عليه ما يجوز على صفات المخلوقين؛ جاز أن يكون وجه الله ويداه صفات ليست أجساماً يجوز عليها ما يجوز على صفات المخلوقين، وهذا) أي: ما تقدم (من إثبات ما أثبته الله لنفسه، وإثبات ما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، هذا هو المذهب الذي حكاه الخطابي وغيره عن السلف رحمهم الله، وعليه) أي: على هذا (يدل كلام جمهورهم، وكلام الباقين لا يخالفه) وهذا من دقة الشيخ رحمه الله وإنصافه، يدل عليه كلام جمهورهم، يعني: من نقل عنه الكلام في هذا الباب منهم أي: من السلف فإنه يدل عليه، ومن لم ينقل عنه النص على هذا فإن عموم كلامه يدل على صحة هذا المذهب، وهذا أمر واضح.