[اعتقاد الخلف أن الله لا يوصف في نفس الأمر بما وصفته الآيات]
(وسبب ذلك) يعني: سبب هذا القول، وهذا ثاني ما بنى عليه المتكلمون طريقتهم وتصويبهم لطريقة الخلف: أنهم قالوا: (إنه ليس في نفس الأمر صفة) يعني: أن الله سبحانه وتعالى لا يوصف بصفة، فلما اعتقدوا أن الصفات ممتنعة على الله جل وعلا وأنه لا يوصف بصفة، احتاروا في النصوص التي أُثبتت فيها الصفات، فذهبوا إلى تأويلها وصرفها عن ظاهرها، فاجتمع عندنا أمران سبّبا الضلال عند المتكلمين: الأمر الأول: طعنهم وجهلهم بطريقة السلف.
السبب الثاني: اعتقادهم أن الله سبحانه وتعالى لا يوصف بصفة؛ لأن الصفة تقتضي التجدد والحدوث والله سبحانه وتعالى لا تحل فيه الحوادث.
وسنتعرض لهذه الشبه في تفصيل ما يثبت من الأجوبة على أعيان المسائل التي سأل عنها السائل في سؤاله للشيخ.
قال:(وسبب ذلك اعتقادهم أنه ليس في نفس الأمر صفة دلت عليها هذه النصوص، بالشبهات الفاسدة التي شاركوا فيها إخوانهم من الكافرين) أي: الذين عطلوا الله سبحانه وتعالى عن أوصافه فقالوا: لا يوصف بصفة.
قوله:(فلما اعتقدوا انتفاء الصفات في نفس الأمر، وكان مع ذلك لابد للنصوص من معنى، بقوا مترددين) ، أي: بين أن يسيروا على طريقة السلف؛ فيجروا الألفاظ دون الوقوف على معانيها -كما زعموا- وبين أن يدخلوا في هذه الألفاظ التي وردت بها النصوص بآرائهم فيؤولولها ويصرفوها عن ظاهرها.
قوله:(مترددين بين الإيمان باللفظ وتفويض هذا المعنى) وهذا بزعمهم طريقة السلف، كما قال:(وهي التي يسمونها طريقة السلف، وبين صرف اللفظ إلى معان بنوع التكلف وهي التي يسمونها طريقة الخلف، فصار هذا الباطل مركباً من فساد العقل والكفر بالسمع) .
وهذا (من فساد العقل) ؛ لأنهم قالوا: إنه لا يوصف بصفة أي: إن الله لا يتصف بصفة، ومن (الكفر بالسمع) : إذ إنهم اعتقدوا أن ظاهر الألفاظ كفر؛ لأنها تثبت الصفات فاجتمع عندهم باطلان: فساد العقل، حيث ظنوا أن الله لا يوصف بصفة، والكفر بالسمع، حيث قالوا: إن ظاهر القرآن وظاهر النصوص كفر؛ لأنها تثبت الصفات التي يحيلها العقل.