للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المعنى الثاني لما يحكى عن السلف من قولهم (ظاهرها غير مراد)]

[وإن كان الناقل عن السلف أراد بقوله: الظاهر غير مراد عندهم، أن المعاني التي تظهر من هذه الآيات والأحاديث مما يليق بجلال الله وعظمته، ولا يختص بصفة المخلوقين، بل هي واجبة لله أو جائزة عليه جوازاً ذهنياً، أو جوازاً خارجياً غير مراد، فهذا قد أخطأ فيما نقله عن السلف، أو تعمد الكذب، فما يمكن لأحد قط أن ينقل عن واحد من السلف ما يدل -لا نصاً ولا ظاهراً- أنهم كانوا يعتقدون أن الله ليس فوق العرش، ولا أن الله ليس له سمع ولا بصر ولا يد حقيقة.

وقد رأيت هذا المعنى ينتحله بعض من يحكيه عن السلف، ويقولون: إن طريقة أهل التأويل هي في الحقيقة طريقة السلف؛ بمعنى أن الفريقين اتفقوا على أن هذه الآيات والأحاديث لم تدل على صفات الله سبحانه وتعالى، ولكن السلف أمسكوا عن تأويلها، والمتأخرون رأوا المصلحة في تأويلها لمسيس الحاجة إلى ذلك، ويقولون: الفرق بين الطريقين: أن هؤلاء قد يعينون المراد بالتأويل، وأولئك لا يعينون لجواز أن يراد غيره.

وهذا القول على الإطلاق كذب صريح على السلف.

أما في كثير من الصفات فقطعاً: مثل أن الله تعالى فوق العرش، فإن من تأمل كلام السلف المنقول عنهم -الذي لم يحك هنا عشره- علم بالاضطرار أن القوم كانوا مصرحين بأن الله تعالى فوق العرش حقيقة، وأنهم ما اعتقدوا خلاف هذا قط، وكثير منهم قد صرح في كثير من الصفات بمثل ذلك] .

هذا الاحتمال الثاني لهذا الإطلاق الظاهر غير المراد عندهم, وهو: (أن المعاني التي تظهر من هذه الآيات والأحاديث مما يليق بجلال الله وعظمته، ولا تختص بصفة المخلوقين، بل هي واجبة) يعني: أن النصوص التي احتوت الصفات التي لا نقص فيها بوجه من الوجوه، وأنها تليق بالله سبحانه وتعالى، وهي من صفاته الواجبة أو من صفاته الجائزة, من قال: إن هذه النصوص التي احتوت هذه الصفات أن ظاهرها غير مراد فقد أخطأ وقد ضل، لأن ظاهر النصوص في مثل هذا لاشك أنه مراد؛ لأن الله سبحانه وتعالى خاطب الناس بلسان عربي مبين، فلا يجوز لأحد أن يصرف هذا الظاهر ويقول: إن ظاهر النصوص غير مراد، بل ظاهر النصوص مراد يجب الإيمان به، وإلا لما كان في كلام الله سبحانه وتعالى ولا في كلام رسوله صلى الله عليه وسلم فائدة، إذا كان ظاهر كلامه وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم غير مراد.

<<  <  ج: ص:  >  >>