ثم قال نقلاً عن أحدهم وهو الفخر الرازي:(لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية، فما رأيتها تشفي عليلاً) أي: مريضاً يطلب الشفاء (ولا تروي غليلاً) أي: طلب شفاء صدره في هذه الطرق.
(فرأيت أقرب الطرق طريقة القرآن) وطريقة القرآن طريقة واضحة فيها إثبات صفات الله عز وجل، وهو إثبات مفصل، وفيها نفي ما لا يليق بالله عز وجل، وهو نفي مجمل، ولذلك قال:(أقرأ في الإثبات: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}[طه:٥]{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ}[فاطر:١٠] ، وأقرأ في النفي {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}[الشورى:١١] ، {وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا}[طه:١١٠] وهذا نفي مجمل، والنفي هنا نفى إحاطة العلم به سبحانه وتعالى، وبحقائق هذه الأسماء والصفات، وبأفعاله جل وعلا، فالخلق لا يحيطون به علماً سبحانه وتعالى لا حساً ولا علماً، أي: من جهة الأخبار والإحاطة بوصفه سبحانه وتعالى بالعلم، فيوم القيامة لا تدركه الأبصار جل وعلا، وهذا فيه نفي الإحاطة الحسية، وأيضاً: فيه نفي الإحاطة الخبرية، أي: أن الأخبار لا تحيط بوصفه جل وعلا.
ولذلك كان من أسمائه ما استأثر به فلم يظهره ولم يخبر به خلقه، وكذلك من صفاته؛ لأن الأسماء تتضمن الصفات، فإذا كان من الأسماء ما لم يخبر به سبحانه وتعالى فكذلك الصفات، فإن منها ما استأثر الله سبحانه وتعالى بعلمه ولم يخبر بها خلقه.
ثم قال الرازي: (ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي) ، ولاشك أن السعيد من اعتبر بغيره، ولا يلزم أن نسلك طريقهم حتى نرى ونقف على ما وصلوا إليه وما أصابوه، إنما يكفينا في العبرة والعظة أن نقرأ ما كتبوه وقالوه أو استشهدوا به في بيان سوء عاقبتهم وما وصلوا إليه.