[الإشارة إلى صحة مذهب السلف بالأدلة السمعية والعقلية]
وبعد أن ذكر رحمه الله كلام السلف قال:(وعندنا من الدلائل السمعية والعقلية ما لا يتسع هذا الموضع لذكره) في تقرير صحة ما ذهبوا إليه وفي تقرير بطلان طريق النفاة، فاجتمع للشيخ من الأدلة: السمع، وإجماع السلف، والأدلة العقلية.
ثم قال:(وأنا أعلم) وهذا فيه تنبيه أن هذه الأدلة التي ذكرها من السمع، ومن كلام السلف، ومن الأدلة العقلية، لا تسلم عند هؤلاء؛ لبعض الشبهات التي يوردونها على هذه الأدلة, قال:(وأنا أعلم أن المتكلمين النفاة لهم شبهات موجودة) يعني: قائمة يثيرونها ويرددونها (ولكن لا يمكن ذكرها في الفتوى) ؛ لأن الفتوى صغيرة, وليس المقصود بسط كلام هؤلاء وتقريره؛ لأن الشيخ قد قام بذلك في كثير من مؤلفاته، (فمن نظر فيها) يعني: في هذه الشبهات (وأراد إبانة ما ذكروه من الشبه فإنه يسير) .
وقد بسط رحمه الله هو وغيره من الأئمة هذه الشبه والرد عليها وتفنيدها، وكان له في هذا رحمه الله قصب السبق.
والواجب على المؤمن أن يبعد عن شبه هؤلاء، ولكن إن طرأت عليه وألجئ إلى النظر فيها، فلا بأس أن ينظر فيها وأن يفندها، وإلا فالأصل أن يقي المؤمن نفسه هذه الشبه وألا ينظر إليها إلا إذا دعت الحاجة, كأن يكون في مقام مناظرة أو في مقام بيان ضلال هؤلاء وشبههم، وإلا فالأصل الابتعاد عن الشبه؛ لأن الشبه خطافة والقلوب ضعيفة، لاسيما إذا لم ترسخ قدم المرء في العلم بما كان عليه السلف من إثبات ما يجب لله عز وجل من الصفات والأسماء، ونفي ما نفاه عن نفسه أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم.
وبعد هذا العرض لطريقة هؤلاء أتى بالخلاصة والعلة في سياق هذا التسلسل التاريخي وبيان أصل هذه المقالة فقال:(فإذا كان أصل هذه المقالة -مقالة التعطيل والتأويل- مأخوذاً عن تلامذة المشركين والصابئين واليهود، فكيف تطيب نفس مؤمن -بل نفس عاقل- أن يأخذ سبيل هؤلاء المغضوب عليهم أو الضالين؟!) ، المغضوب عليهم: الذين علموا ولم يعملوا.
والضالون: الذين عملوا بلا علم واعتقدوا بلا بينة ولا هدى، وقد أمرنا أن نستعيذ بالله من طريق هؤلاء، (ويدع سبيل الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين؟!) وهو الصراط المستقيم المسئول في قوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}[الفاتحة:٦-٧] وهذا الصراط لا يقوم إلا على العلم الصحيح والعمل الصالح، فهذا هو صراط الذين أنعم الله عليهم.
وبهذا يكون الشيخ رحمه الله قد فرغ من المقدمة، التي قرر فيها صحة ما ذهب إليه السلف وبطلان ما سلكه الخلف في باب أسماء الله عز وجل وصفاته، والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله.