قال:[كما فطر الله على ذلك جميع الأمم عربهم وعجمهم في الجاهلية والإسلام، إلا من اجتالته الشياطين عن فطرته] .
فما ذكره الشيخ من الآثار دل على ما تقدم من أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بين هذا المقام بيانا عظيماً وهو استواء الله جل وعلا على عرشه وعلوه على خلقه, فعلو الله جل وعلا واستواؤه على عرشه جاء متواتراً لفظاً ومعنى، وهذا يورث (علماً يقينياً من أبلغ العلوم الضرورية) يعنى: من آكدها؛ أنه سبحانه وتعالى مستو على عرشه وأنه عال على خلقه، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد بلغ أمته علو الله جل وعلا على خلقه، وأنه سبحانه على عرشه.
ثم بعد أن فرغ من ذكر الأدلة على علو الله عز وجل -الأدلة السمعية من الكتاب والسنة- ذكر الدليل الثالث الدال على علو الله جل وعلا، وهو دليل الفطرة، فقال:(كما فطر الله على ذلك) أي: على علوه سبحانه وتعالى وأنه بائن من خلقه؛ فطر على ذلك (جميع الأمم: عربهم وعجمهم في الجاهلية والإسلام) ، ولذلك فعلو الله جل وعلا مما أجمعت عليه الأمم , على اختلاف عصورها وعقائدها، ولذلك كان إنكاره من أمحل المحال، والمعارضة فيه من أكبر ما حصل من التناقض عند المتكلمين، لذلك تخبطوا فيه تخبطاً بيناً كما سيتبين لنا إن شاء الله في عرض مذاهبهم.
ثم قال:(إلا من اجتالته الشياطين عن فطرته) ، وهذا استثناء، ولكن هذا الاستثناء القليل باعتبار الجمع الغفير من الخلق لا يعد خارقاً للإجماع؛ لأنه حصل بعد استقرار فطرة الخلق على علو الله جل وعلا، وما طرأ من خلاف بعد الإجماع لا يعد مخالفاً أو معارضاً للإجماع.