قال:(يقولون: إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعرف معاني ما أنزل الله إليه من آيات الصفات، ولا جبريل يعرف معاني الآيات) فنفوا معرفة ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو أكمل البشر، وعن جبريل الذي هو أشرف الملائكة، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعرف ذلك، ولا جبريل يعرف ذلك فمن يعرفه؟ لا يعرفه أحد، فالواجب -إذاً- الوقوف على الألفاظ دون النظر إلى معانيها ولا إلى دلالاتها.
قال:(ولا السابقون الأولون عرفوا ذلك) ؛ لأن السابقين الأولين تلقوا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن القرآن الذي جاء به جبريل من رب العالمين، فإذا كان جبريل والنبي صلى الله عليه وسلم لا يعرفان ذلك، فالسابقون المتلقون عن الكتاب والسنة لم يعرفوا ذلك.
ثم قال:(وكذلك قولهم في أحاديث الصفات: إن معناها لا يعلمه إلا الله مع أن الرسول تكلم بها ابتداء) يعني: تكلم بها ابتداء في وصف الله سبحانه وتعالى، فذكر في الحديث ما لم يذكره القرآن، وذكر في السنة من صفات الله عز وجل ما لم يأت به القرآن، هذا معنى قوله:(تكلم بها ابتداء) ، فعلى قولهم يكون قد تكلم بكلام لا يعرف معناه، ولا يعرف دلالاته.
وإنما أضاف هذا ليبين أنه إذا ساغ أن نقول: إنه لم يعرف ما نقله جبريل إليه، فكيف يسوغ أن نقول: إنه تكلم بكلام في وصف الله عز وجل ابتداءًَ ثم لا يعرف معناه، فهذا أغلظ في التهمة للنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه في المرتبة الأولى يسوغ على قولهم أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد نقل وبلغ ما لم يعلم معناه، لكن كيف يبتدئ كلاماً في وصف الله عز وجل، وهو لا يعقل هذه المعاني التي يتكلم بها؟ وهذا فيه أعظم الفرية على النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك وصف شيخ الإسلام رحمه الله أهل التجهيل بأنهم من شر أهل البدع؛ لأن مقتضى بدعتهم أن الله خاطب الناس، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم تكلم في حق الله عز وجل، بما لا يعقل معناه ولا يفهم ولا يعرف، وأن الكتاب لم يأت هدىً ولا بياناً ولا موعظةً ولا إرشاداً للناس، إنما جاء لتضليلهم والتضييق عليهم، ومخاطبتهم وتكليفهم بما لا يعقلون ولا يعرفون.