بين الشيخ رحمه الله قول أهل التأويل فقال عنهم:(فيقولون: إن النصوص الورادة في الصفات لم يقصد بها الرسول أن يعتقد الناس الباطل) ، فهؤلاء حفظوا جانب الرسالة من التضليل والكذب، يقولون: إن الرسل لم تبين هذه المعاني بياناً واضحاً لا لقصد التضليل، ولكن لتعبد الناس بالوصول إلى هذا المقصود، ولذلك قال:(ولكن قصد بها معاني ولم يبين لهم تلك المعاني، ولا دلهم عليها، ولكن أراد أن ينظروا) يعني بأنفسهم ويستقلوا بعقولهم في معرفة المراد (فيعرفوا الحق بعقولهم ثم يجتهدوا في صرف تلك النصوص عن مدلولها) إلى ذلك الحق المراد.
وفي هذا طعن في الرسل من جهة أنهم لم يبينوا للناس الهدى، وإنما أتوا بما زادهم التباساً واضطراباً؛ لأن العقول إذا كانت تستقل بمعرفة ما يجب لله سبحانه وتعالى من الأسماء والصفات، فما الحاجة إلى الإتيان بالنصوص؟! فالإتيان بالنصوص التي ظواهرها يخالف المراد منها في الحقيقة زيادة عناء وتطويل وتعب وتضليل، ولا فائدة في هذا، وهذا فيه تنقص للرسل من هذه الجهة، فهم سلموا من اتهام الرسل بكونهم من المغضوب عليهم أو الضالين، لكنهم لم يسلموا من أن جعلوا الرسل سبباً في حيرة الناس وتناقضهم واضطرابهم واختلافهم والتباس الأمر عليهم.
قال:(ومقصوده امتحانهم) أي: تعبدهم، (وتكليفهم وإتعاب أذهانهم وعقولهم في أن يصرفوا كلامه عن مدلوله ومقتضاه ويعرفوا الحق من غير جهته) أي: من غير الجهة التي يجب أن يعرف منها، وهي جهة الرسل.
(وهذا قول المتكلمة والجهمية والمعتزلة) ؛ لأنهم من أضل الناس في باب الأسماء والصفات، وهم من أعتى أهل التأويل ضلالاً وأشدهم بعداً عن طريق أهل السنة والجماعة.
ثم قال:(ومن دخل معهم في شيء من ذلك) ويريد من ذلك مثبتة الصفات الذين دخلوا معهم في بعض ما ذهبوا إليه من البدع، بإنكار بعض ما وصف الله سبحانه وتعالى به نفسه، أو بتأويله عن الحق.