للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[قول عبد الله بن المبارك]

قال: [وروى اللالكائي والبيهقي بإسنادهما عن عبد الله بن المبارك: أن رجلاً قال له: يا أبا عبد الرحمن! إني أكره الصفة -يعني صفة الرب - فقال له عبد الله بن المبارك: وأنا أشد الناس كراهيةً لذلك، ولكن إذا نطق الكتاب بشيء قلنا به، وإذا جاءت الآثار بشيء جسرنا عليه، ونحو هذا.

أراد ابن المبارك: أنا نكره أن نبتدئ بوصف الله من ذات أنفسنا حتى يجيء به الكتاب والآثار] .

هذا الذي يجب أن يحمل عليه كلام ابن المبارك؛ لأن صفة الرب سبحانه وتعالى تعرف الخلق به، فهي من أحب الأشياء إليه؛ لأن فيها مدحه، وهي من أحب الأشياء لعباده المؤمنين؛ لأن بها يعرفون الله سبحانه وتعالى، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي كان يكرر سورة الإخلاص في ختام كل قراءة في كل ركعة وقد ذكر أنه يكررها لأنها صفة الرحمن فيجب أن يكررها: (أخبروه بأن الله يحبه) فدل ذلك على أن محبة الصفات هي الواجبة؛ لأنها تعرف بالله عز وجل، ويجب حمل كلام ابن المبارك على ما ذكر الشيخ رحمه الله؛ لأن كراهية صفة الرب سبحانه وتعالى كراهية له، فلا يستقيم الكلام إلا بالمعنى الذي ذكره الشيخ رحمه الله، وهو أن الذي كرهه ابن المبارك رحمه الله هو أن يبتدع الإنسان أو يبتدع المرء في صفات الله عز وجل ما لم يذكره جل وعلا في كتابه ولا في سنة رسوله.

[وروى عبد الله بن أحمد وغيره بأسانيد صحاح عن ابن المبارك أنه قيل له: بماذا نعرف ربنا؟ قال: بأنه فوق سماواته، على عرشه، بائن من خلقه، ولا نقول كما تقول الجهمية إنه هاهنا في الأرض، وهكذا قال الإمام أحمد وغيره.

وروى بإسناد صحيح عن سليمان بن حرب الإمام، سمعت حماد بن زيد وذكر هؤلاء الجهمية فقال: إنما يحاولون أن يقولوا: ليس في السماء شيء.

وروى ابن أبي حاتم في كتاب الرد على الجهمية عن سعيد بن عامر الضبعي -إمام أهل البصرة علماً وديناً، من شيوخ الإمام أحمد - أنه ذكر عنده الجهمية فقال: أشر قولاً من اليهود والنصارى، وقد اجتمع اليهود والنصارى وأهل الأديان مع المسلمين على أن الله على العرش، وهم قالوا: ليس على شيء] .

لأن اليهود والنصارى في إثبات النقص الذي أثبتوه لله عز وجل -أي: أثبتوه في أسماء الله وصفاته- إنما هو لكونهم شبهوه بالموجودات فقالوا: {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} [المائدة:٦٤] وقالوا مما نسبوه إليه ووصفوه به ما هو في نهاية الأمر أنه تشبيه له بالمخلوقات الموجودات، وأما قول الجهمية فهو إما أن يكون تشبيهاًَ له بالمعدومات أو بالممتنعات، فالذين وصفوا الله من الجهمية بالسلب فقط شبهوه بالمعدومات، والذين نفوا عنه السلب والإيجاب فقالوا: لا نقول موجود ولا نقول: لا موجود، فهؤلاء شبهوه بالممتنعات، وما من شك بأن الذين شبهوه بالموجودات أكمل تنزيهاً من الذين شبههوه بالمعدومات أو بالممتنعات، فليتنبه إلى هذا.

<<  <  ج: ص:  >  >>