للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أقسام الجهمية]

بعد أن ذكر الشيخ رحمه الله عقيدة السلف ذكر أنه لم ينقل عنهم حرف في ذلك يخالف النصوص ولم يقل أحد منهم قط بخلاف ذلك، ثم حكى أقوال المبتدعة المتكلمين في مسألة العلو فقال: (لم يقل أحد منهم قط: إن الله ليس في السماء) كما تقوله الجهمية، واعلم أن هذه الأقوال في مجموعها ترجع إلى قولين صدرا عن الجهمية، الذين هم أصل الضلال في باب الأسماء والصفات، وفيما يتعلق بالله عز وجل مما يجب له من التعظيم والإجلال.

هؤلاء الجهمية انقسموا إلى قسمين:جهمية معطلة، وجهمية حلولية.

الجهمية المعطلة: ساروا على قاعدتهم في نفي صفات الله عز وجل, حيث إنهم أخلوا الله جل وعلا عن أسمائه وصفاته التي أثبتها لنفسه أو أثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء هم الذين قالوا: إن الله ليس في السماء وإنه ليس على العرش، ومن أقوالهم أيضاً: (إنه لا داخل العالم ولا خارجه، ولا متصل ولا منفصل، وإنه لا تجوز الإشارة الحسية إليه بالأصابع) .

وأما القسم الثاني وهم الجهمية الحلولية: فقالوا: إن الله في كل مكان، ولذلك حكى قولهم في قوله: (ولا أنه بذاته في كل مكان) ، وهذا يناقض القول الأول، والسبب في هذا كما يشير بعض الباحثين, أن الجهمية في أول أمرهم كانوا حلولية، ثم لما اطلعوا على ما كتبه اليونان وما ذكره الفلاسفة من وجود شيء مجرد لا داخل العالم ولا خارجه انتقلوا إليه عن مقولتهم الأولى، ولذلك ذكر شيخ الإسلام رحمه الله أن الجهمية عندهم انفصام, فتجدهم في مسألة البحث والنظر يقولون: إن الله ـ جل وعلا تعالى عما يقولون ـ ليس داخل العالم أو خارجه، ولا هو متصل ولا منفصل، وإنه ليس فوق السماء، وإنه ليس على العرش.

هذا من جهة البحث والنظر، أما من جهة التعبد فإنهم يقولون: إن الله سبحانه وتعالى في كل مكان، وبرّر هذا القول وبين علته فقال: إنهم في البحث والنظر لا يحتاجون إلى إثبات شيء، فلو توصلوا إلى إثبات العدم الذي وصفوه بأنه هو الله لم يكن ذلك محرجاً لهم، لكن في العبادة لابد من التوجه إلى معبود مقصود ولذلك قالوا: إنه موجود في كل مكان.

وعن هؤلاء الجهمية المعطلة والجهمية الحلولية أخذت الفرق الكلامية عقيدتها في باب علو الله عز وجل، فالمعتزلة والأشاعرة والكلابية أتباع للجهمية في هذا الباب فلم يأتوا بمزيد، وإنما انقسموا في المسألة على هذين القولين: قول الجهمية المعطلة وقول الجهمية الحلولية.

وأما قولهم: إنه لا تجوز الإشارة الحسية إليه بالأصابع، فهذا تتفق عليه كل الفرق الكلامية، وقد أبطله الشيخ رحمه الله بما استدل به من ثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: [بل قد ثبت في الصحيح عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خطب خطبته العظيمة يوم عرفات، في أعظم مجمع حضره الرسول صلى الله عليه وسلم؛ جعل يقول: (ألا هل بلغت؟ فيقولون: نعم! فيرفع إصبعه إلى السماء وينكبها إليهم ويقول: اللهم اشهد) غير مرة، وأمثال ذلك كثير] .

<<  <  ج: ص:  >  >>