[المعنى الأول المغلوط في الحكاية عن السلف بأن ظاهر نصوص الصفات غير مراد]
هذا المعنى الأول من قول القائل: إن مذهب السلف إقرار النصوص على ما جاءت به، مع اعتقاد أن ظاهرها غير مراد, والشيخ رحمه الله فصل الإطلاق في قول القائل:(ظاهرها غير مراد) فإن هذا لفظ مجمل يحتاج إلى تفصيل، وهذا هو شأن الشيخ رحمه الله في كثير من الألفاظ المجملة التي تحتمل حقاً وباطلاً، هذا معنى قوله:(مجمل) أي: أنه يشتمل على حق وباطل، ففي مثل هذه الألفاظ المجملة يجب الاستفصال، فلا تُثبت مطلقاً، ولا تنفى مطلقاً، بل يفصل.
قال:(فإن قوله: ظاهرها) أي: نصوص الصفات (غير مراد، يحتمل أنه أراد بالظاهر نعوت المخلوقين وصفات المحدثين) يعني: يحتمل أن مراده بظاهرها ما يفهم من هذه النصوص من أنها كصفات المخلوقين، فالسمع الذي أثبته الله لنفسه والبصر الذي أثبته الله لنفسه إذا كان ظاهرها الذي يشير إليه صاحب هذه المقولة أنها كسمع الناس وبصرهم، فلاشك أن إطلاقه صحيح، ثم يقال: يناقش في هل هذا هو ظاهر النصوص أو لا؟ فهذا الذي عناه ليس هو ظاهرها، مع أنه إذا كان هذا مراده فهل هذا إطلاق صحيح أم لا؟ إذا كان يراد أن ظاهر النصوص -في قوله:(وظاهرها غير مراد) - المماثلة فإن نفيه صحيح، أي: فقوله: (ظاهرها غير مراد) صحيح، لكن يناقش في أمرين: يناقش أولاً: في أن هذا لفظ مجمل ينبغي ألا يطلق، بل يفصل ويبين المعنى المراد.
ويناقش ثانياً: في أن هذا اللفظ هل ظاهره يقتضي المماثلة أو لا؟ ولا شك أن ظاهر النصوص لا تقتضي المماثلة؛ لأن الخالق له ما يناسبه، والمخلوق له ما يناسبه، وقد بين ذلك بياناً واضحاً في قوله:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[الشورى:١١] .
(مثل أن يراد بكون الله قبل وجه المصلي أنه مستقر في الحائط الذي يصلي إليه، و (أن الله معنا) ظاهره أنه إلى جانبنا ونحو ذلك، فلاشك أن هذا غير مراد، ومن قال: إن مذهب السلف أن هذا غير مراد فقد أصاب المعنى) .
انظر إلى دقة كلام الشيخ:(أصاب في المعنى ولم يصب في اللفظ) ، يعني: لم يصب في قوله: (ظاهرها غير مراد) ؛ لأن هذا لفظ مجمل يحتمل حقاً وباطلاً، لكن الخطأ بإطلاق القول بأن هذا ظاهر الآيات والأحاديث.
غير مراد، فإن هذا المحال ليس هو الظاهر على ما قد بيناه في غير هذا الموضع.
ثم استدرك الشيخ رحمه الله فقال:(اللهم إلا أن يكون هذا المعنى الممتنع صار يظهر لبعض الناس) كأن يكون هذا في بعض البلدان أو في بعض الأماكن أو في بعض الجماعات، فيظهر لهم من هذا اللفظ ما ذكروه، فهنا يكون الإطلاق صائباً باعتبار؛ لأنه ظاهر بالنسبة لهم، ولذلك قال:(فيكون القائل لذلك مصيباً بهذا الاعتبار معذوراً في هذا الإطلاق، فإن الظهور والبطون قد يختلف باختلاف أحوال الناس، وهو من الأمور النسبية، فيخفى على شخص ما يظهر لغيره، ويظهر له ما يخفى على غيره) وكان أحسن من هذا أن يبين أن هذا ليس هو الظاهر، ولا تطلق مثل هذه العبارات حتى يكون قد أعطى كلام الله وكلام رسوله حقه لفظاً ومعنى.