[وإنما القصد في سلوك الطريقة المستقيمة بين الأمرين، ودين الله تعالى بين الغالي فيه والجافي والمقصر عنه، والأصل في هذا: أن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات] .
هذه قاعدة كلية في باب الأسماء والصفات تأتينا إن شاء الله في التدمرية: أن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، فمن قال لك: كيف صفته؟ قل كيف ذاته؟ [ويحتذى في ذلك حذوه ومثاله، فإذا كان معلوماً أن إثبات الباري تعالى إنما هو إثبات وجود لا إثبات كيفية، فكذلك إثبات صفاته إنما هو إثبات وجود لا إثبات تحديد وتكييف] .
هذا كلام جيد في تفصيل هذه القاعدة والتدليل لها، يقول: فإذا كان معلوماً أن إثبات الباري سبحانه إنما هو إثبات وجوده لا إثبات كيفيته، فالخلق كلهم إلا من شذ يثبتون رباً يعبد، يقصدونه فيما يحتاجون, يثبتون له الملك والرزق والخلق والتدبير، ولكنهم لا يكيفون هذا الوجود، فما منهم أحد قال: كيف وجوده؟ فكذلك أسماؤه وصفاته، وهي فرع عن ذاته جل وعلا، فكما أنه لا يسأل: كيف وجوده؟ فكذلك لا يسأل: كيف أسماؤه وصفاته؛ لأن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات.
[فإذا قلنا: يد وسمع وبصر وما أشبهها، فإنما هي صفات أثبتها الله لنفسه، ولسنا نقول: إن معنى اليد القوة أو النعمة، ولا معنى السمع والبصر العلم، ولا نقول: إنها جوارح، ولا نشبهها بالأيدي وبالأسماع وبالأبصار التي هي جوارح وأدوات للفعل، ونقول: إن القول إنما وجب بإثبات الصفات؛ لأن التوقيف ورد بها، ووجب نفي التشبيه عنها؛ لأن الله ليس كمثله شيء، على هذا جرى قول السلف في أحاديث الصفات.
هذا كله كلام الخطابي] .
كثير من القواعد التي يذكرها شيخ الإسلام رحمه الله في باب الأسماء والصفات وفي غيره إنما يحكي فيها قول من سبق، وهذا يفيد طالب العلم في محاجة المبتدعين؛ لأن بعض المبتدعة ينكر هذه القواعد، فإذا قيل له: إن فلاناً من العلماء -الذين يجلهم ويعرف مكانتهم- هو الذي قالها، كان ذلك داعياً إلى قبوله وإلى نزوعه عن الضلال الذي هو فيه، فمعرفة أصول الأقوال والقواعد مهم في مناظرة ومناقشة أهل البدع؛ لأنك لو قلت لهم: قال شيخ الإسلام قد يردونه يردون هذا القول ويقولون: شيخ الإسلام ابتدع وأتى بكلام من عنده كما يقوله بعض المبتدعة، لكن إذا بين أن ما جاء به الشيخ رحمه الله من القواعد إنما أخذه من كلام المتقدمين كان ذلك أدعى إلى القبول وأقوى في الحجة.
[وهكذا قاله أبو بكر الخطيب الحافظ في رسالة له أخبر فيها أن مذهب السلف على ذلك، وهذا الكلام الذي ذكره الخطابي قد نقل نحواً منه من العلماء من لا يحصى عددهم مثل: أبي بكر الإسماعيلي والإمام يحيى بن عمار السجزي وشيخ الإسلام أبي إسماعيل الهروي صاحب منازل السائرين وذم الكلام، وهو أشهر من أن يوصف، ومثل أبي عثمان الصابوني شيخ الإسلام، وأبي عمر بن عبد البر النمري إمام المغرب، وغيرهم.
وقال أبو نعيم الأصبهاني صاحب الحلية في عقيدة له قال في أولها: (طريقتنا طريقة المتبعين الكتاب والسنة وإجماع الأمة] .
أهم ما في هذه النقول معرفة أن مذهب السلف هو مذهب واحد في هذا الأمر لا خلاف فيه، بل هم متفقون وإن تنوعت عباراتهم، إلا أن مدلولاتها متفقة في أنهم يثبتون الأسماء والصفات من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل.