للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[خطأ من يظن أن السلف مؤولة لكن لم يتكلموا لاحتمال غير تأويلهم]

إذاً: فهمنا المعنى الباطل من قوله: (الظاهر غير مراد) أي: أن المعاني الصحيحة التي اشتملت عليها هذه الآيات وهذه الصفات غير صحيحة, هذا المعنى الباطل الذي احتملته هذه اللفظة والسلف منه براء، ولذلك قال: (فهذا قد أخطأ فيما نقله عن السلف أو تعمد الكذب) وهذا من العدل، أن تذكر جميع الاحتمالات، إما أن يكون أخطأ فيما نقله بأن وقف على نصوص فهم منها أن السلف لم يتطرقوا للمعاني ولم يثبتوا ظاهرها، أو أنه كذب عليهم بعد مطالعته لما ذكروه رحمهم الله من إثبات معاني الصفات, فما يمكن لأحد قط أن ينقل عن واحد من السلف ما يدل لا نصاً ولا ظاهراً أنهم كانوا يعتقدون أن الله ليس فوق العرش، ولا أن الله ليس له سمع وبصر ويد حقيقة, فذكر رحمه الله الصفات الذاتية، وذكر الصفات الخبرية، وذكر الصفات الفعلية, فقوله: (أنهم كانوا يعتقدون أن الله ليس فوق العرش) هذا فيه إثبات الصفات الفعلية؛ لأنه استوى على العرش بعد أن لم يكن (ولا أن الله ليس له سمع ولا بصر) وهذا في الصفات الذاتية، ويد حقيقة هذه من الصفات الخبرية.

[وقد رأيت هذا المعنى ينتحله بعض من يحكيه عن السلف، ويقولون: إن طريقة أهل التأويل هي في الحقيقة طريقة السلف] وهذا ليس بصحيح, طريقة أهل التأويل طريقة محدثة مبتدعة، نهى عنها السلف، وهي لا توصل إلى علم ولا إلى معرفة بالله سبحانه وتعالى قال: [بمعنى: أن الفريقين اتفقوا على أن هذه الآيات والأحاديث لم تدل على صفات الله سبحانه وتعالى] لكنهم اختلفوا في كيفية التعامل مع هذه النصوص، فالمتأخرون خاضوا في هذه النصوص وأولوها وصرفوها عن ظاهرها، وأما السلف -على قول هذا- فإنهم أمسكوا عن هذه النصوص ومعانيها، وفوضوها دون نظر إلى معانيها، وإنما قالوا: الظاهر غير مراد.

يقول: [ولكن السلف سكتوا عن تأويلها -وهو مذهب المفوضة- والمتأخرون رأوا المصلحة في تأويلها لمسيس الحاجة إلى ذلك، ويقولون: الفرق بين الطريقين أن هؤلاء قد يعينون المراد بالتأويل، وأولئك لا يعينون لجواز أن يراد غيره، وهذا القول على الإطلاق كذب صريح على السلف] وهذا الكلام من الشيخ رحمه الله عود على بدء، عود على ما تقدم في أول الرسالة من إبطال قول من قال: إن السلف يسلكون مسلك التفويض في باب الأسماء والصفات.

قال رحمه الله: [وهذا القول على الإطلاق كذب صريح على السلف، أما في كثير من الصفات فقطعاً] لأنه ورد عنهم رحمهم الله تفسير هذه الصفات, فلما ورد عنهم تفسير هذه الصفات علم منه أن السلف يثبتون هذه الصفات ويثبتون معانيها، وأن من قال: إن السلف أولوا ولم يخوضوا في المعاني فهذا كذب عليهم، وضرب أمثلة لما فسره الصحابة والتابعون رضي الله عنهم، قال: [مثل أن الله تعالى فوق العرش، فإن من تأمل كلام السلف المنقول عنهم -الذي لم يحك هنا عشره- علم بالاضطرار أن القوم كانوا مصرحين بأن الله فوق العرش حقيقة، وأنهم ما اعتقدوا خلاف هذا قط، وكثير منهم قد صرح في كثير من الصفات بمثل ذلك] .

يعني: صرحوا بحقيقة معانيها وأن معانيها مرادة.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح.

<<  <  ج: ص:  >  >>