[عقيدة هشام الرازي وابن المديني ويحيى بن معاذ والترمذي في الصفات]
قال رحمه الله: [فإن القلوب مفطورة على الإقرار بأن الله في العلو، وعلى أنه يدعى من أعلى لا من أسفل، وقد جاء اللفظ الآخر صريحاً عنه بذلك.
فقال: إذا أنكر أنه في السماء فقد كفر.
وروى هذا اللفظ بإسناد عنه شيخ الإسلام أبو إسماعيل الأنصاري الهروي في كتاب الفاروق.
وروى أيضاً ابن أبي حاتم: أن هشام بن عبيد الله الرازي صاحب محمد بن الحسن قاضي الري حبس رجلاً في التجهم فتاب، فجيء به إلى هشام ليطلقه فقال: الحمد الله على التوبة، فامتحنه فقال: أتشهد أن الله على عرشه بائن من خلقه؟ فقال: أشهد أن الله على عرشه؛ ولا أدري ما بائن من خلقه.
فقال: ردوه إلى الحبس فإنه لم يتب.
وروى أيضاً عن يحيى بن معاذ الرازي أنه قال: إن الله على العرش بائن من الخلق، وقد أحاط بكل شيء علماً، وأحصى كل شيء عدداً، لا يشك في هذه المقالة إلا جهمي رديء ضليل، وهالك مرتاب، يمزج الله بخلقه، ويخلط منه الذات بالأقذار والأنتان.
وروي أيضاً عن ابن المديني لما سئل: ما قول أهل الجماعة؟ قال: يؤمنون بالرؤية والكلام، وأن الله فوق السماوات على العرش استوى، فسئل عن قوله: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة:٧] فقال: اقرأ ما قبلها: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [المجادلة:٧]] .
هذا رد لدعوى هؤلاء بأن الله سبحانه وتعالى في كل مكان، وأنه ليس على العرش، فرد عليهم بالآية نفسها، حيث أن الآية صدرت بقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} ثم ذكر {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ} أي: بعلمه جل وعلا، وإلا فهو كما أخبر عن نفسه مستو على عرشه بائن من خلقه.
قال رحمه الله: [وروي أيضاً عن أبي عيسى الترمذي قال: هو على العرش كما وصف في كتابه؛ وعلمه وقدرته وسلطانه في كل مكان.
وروي أيضاً عن أبي زرعة الرازي أنه لما سئل عن تفسير قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥] فقال: تفسيره كما يقرأ هو على العرش، وعلمه في كل مكان، ومن قال غير هذا فعليه لعنة الله] .
كل هذه النقول كما ذكرنا لتأكيد هذه القضية، وهي من أوضح ما يكون؛ ولذلك فأقوى الكتب في الرد على أهل البدع هذا الكتاب؛ لما فيه من النقول الكثيرة الوفيرة الدالة على أن أهل السنة والجماعة يثبتون الأسماء والصفات لله عز وجل كما جاء في الكتاب والسنة، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل.
وفيه أيضاً شدة كلام السلف رحمهم الله في هؤلاء الذين ينكرون علو الله سبحانه وتعالى، وأن إنكار العلو كفر وقوله رحمه الله: (كفر) يبين عظم هذه البدعة، وأنها من البدع الكبيرة التي تتضمن تكذيب ما في الكتاب وما في السنة، غفر الله للسلف ورحمهم، وصلى الله على نبينا محمد.