تقدم حكاية قول ابن القيم رحمه الله حول زبدة الرسالة التي جاءت بها الرسل جميعاً، فقد تكلم عن هذا بكلام طيب في مدارج السالكين، فهذا هو الموضع الذي تكلم به رحمه الله فقال:(والرسل من أولهم إلى خاتمهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين أرسلوا بالدعوة إلى الله وبيان الطريق الموصل إليه، وبيان حال المدعوين بعد وصولهم إليه، فهذه القواعد الثلاث ضرورية في كل ملة على لسان كل رسول، فعرفوا الرب المدعو إليه بأسمائه وصفاته وأفعاله تعريفاً مفصلا، حتى كأن العباد يشاهدونه سبحانه وينظرون إليه فوق سماواته على عرشه، يكلم ملائكته، ويدبر أمر مملكته، ويسمع أصوات خلقه، ويرى أفعالهم وحركاتهم، ويشاهد بواطنهم كما يشاهد ظواهرهم، يأمر وينهى، ويرضى ويغضب، ويحب ويسخط، ويضحك، ويجيب دعوة مضطرهم، ويغيث ملهوفهم، ويعين محتاجهم، ويجبر كسيرهم، ويغني فقيرهم، ويميت ويحيي، ويمنع ويعطي، يؤتي الحكمة من يشاء، مالك الملك يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء ويذل من يشاء، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، كل يوم هو في شأن، يغفر ذنباً، ويفرج كرباً، ويفك عانياً، وينصر مظلوماً، ويقصم ظالماً، ويرحم مسكيناً، ويغيث ملهوفاً، ويسوق الأقدار إلى مواقيتها، ويجريها على نظامها، ويقدم ما يشاء تقديمه ويؤخر ما يشاء تأخيره، فأزمة الأمور كلها بيديه، ومدار تدبير الممالك كلها عليه، وهذا مقصود الدعوة وزبدة الرسالة) .
انتهى كلامه رحمه الله.
وهو كلام بديع يزيد في الإيمان، ويبين عظم ووجوب الاهتمام بما ذكر الله سبحانه وتعالى عن نفسه في كتابه، وستجد أن الشيخ رحمه الله وافق شيخ الإسلام في هذه العبارة حيث قال:(وهذا مقصود الدعوة وزبدة الرسالة) ، أي: ما تقدم من التعريف بالله جل وعلا، وبيان أوصافه وأفعاله وما يجب له، وهذا هو زبدة الرسالة ومقصود الدعوة التي جاءت بها الرسل، ولذلك قال الشيخ رحمه الله في الكلام السابق:(فلأن من في قلبه أدنى حياة وطلب للعلم، أو نهمة في العبادة، يكون البحث عن هذا الباب) يعني: باب أسماء الله عز وجل وصفاته (والسؤال عنه ومعرفة الحق فيه، أكبر مقاصده وأعظم مطالبه) ، ثم ذكر بعد ذلك أن هذا هو الذي يعد زبدة الرسالة ومقصودها.
فهذا يبين وجوب الاهتمام بهذا الباب، وأن الاهتمام بباب الأسماء والصفات ليس لمجرد الرد على قول المبتدعين والمخالفين من المتكلمين وغيرهم، بل الاهتمام بباب الأسماء والصفات؛ ليزداد الإيمان ولتتم معرفة العبد بربه جل وعلا ليحصل له كمال العبودية، ولذلك لما كان أكثر الخلق علماً بالله عز وجل هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان أعبد الخلق لربه، ولذلك قال:(والله إني لأعلمكم بالله وأخشاكم له) ، فالعبادة والخشية وسائر المقامات هي فرع عن تمام العلم به سبحانه وتعالى.