قال:(بل معناه يعرف من حيث يعرف مقصود المتكلم بكلامه) أي: معنى ما ثبت في باب الأسماء والصفات يعرف ويدرك من حيث يعرف مقصود المتكلم بكلامه، يعني: يعرف من الألفاظ كما يعرف كلام المتكلمين من كلامهم، والله عز وجل قد خاطبنا بكلام وصفه بأنه مبين، ولا يمكن أن يكون هذا الكلام المبين غير دال على صفاته سبحانه وتعالى، فمن أراد أن يفهم ما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله فلينظر إلى كلام الله وإلى كلام رسوله صلى الله عليه وسلم.
(لاسيما) يعني: ويتأكد هذا في أنه يجب علينا أن نفهم الكلام كما يفهم سائر الكلام الذي يتكلم به المتكلمون (إذا كان المتكلم أعلم الخلق بما يقول) ، فرسله أعلم الخلق به سبحانه وتعالى، فإذا كان المتكلم أعلم الخلق بما يقول، فالرسول صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به عن الله في كتابه أو في سنته صلى الله عليه وسلم هو أعلم الخلق بما يقول (وأفصح الخلق في بيان العلم، وأفصح الخلق في البيان والتعريف والدلالة والإرشاد) فإذا كانت كل هذه الصفات قائمة في المخبر، دل ذلك على وجوب قبول خبره وتصديقه وعدم صرفه عن ظاهره، وهذا شبيه بالعبارة التي ذكرناها قبل قليل في بيان أو في تعليل صحة طريق السلف رحمهم الله.
قال:(وهو سبحانه مع ذلك ليس كمثله شيء) ، يعني: مع إثباتنا لما في كتاب الله وما في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات، فنحن نقر ونعتقد ونؤمن أنه (ليس كمثله شيء) كما أخبر سبحانه وتعالى عن نفسه، فليس له مثيل ولا نظير ولا سمي في أسمائه ولا في صفاته ولا في أفعاله ولا في كل ما يجب له، فهو سبحانه وتعالى كما وصف نفسه:{وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ}[الإخلاص:٤] في شيء مما يختص به سبحانه وتعالى.
(لا في نفسه المقدسة المذكورة بأسمائه وصفاته، ولا في أفعاله، فكما نتيقن أن الله سبحانه وتعالى له ذات حقيقة -كما نقر بذلك ونؤمن- وله أفعال حقيقة، فكذلك له صفات حقيقة) لا نحتاج فيها إلى تأويل، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل، بل يجب إثباتها على الوجه الذي وردت به.