[إلزام المتكلمين على قواعدهم التحاكم إلى الجاهلية]
ثم قال رحمه الله:[وهذا الكلام قد رأيته صرح بمعناه طائفة منهم، وهو لازم لجماعتهم لزوماً لا محيد عنه، ومضمونه: أن كتاب الله لا يُهتدى به في معرفة الله، وأن الرسول معزولٌ عن التعليم والإخبار بصفات من أرسله، وأن الناس عند التنازع لا يردون ما تنازعوا فيه إلى الله والرسول، بل إلى مثل ما كانوا عليه في الجاهلية، وإلى مثل ما يتحاكم إليه من لا يؤمن بالأنبياء، كالبراهمة والفلاسفة -وهم المشركون- والمجوس وبعض الصابئين، وإن كان هذا الرد لا يزيد الأمر إلا شدة ولا يرتفع الخلاف به، إذ لكل فريق طواغيت يريدون أن يتحاكموا إليهم، وقد أمروا أن يكفروا بهم] .
الطواغيت: جمع طاغوت، وهو ما يطغى به الإنسان عن الحق زيادة أو نقصاً، ويشير هنا إلى القواعد التي قرروها، والشبه الكبار التي أصلوها, فتجد أحدهم يقول: لا نثبت هذا لله وهذا محال عليه عقلاً، والآخر يقول: هذا واجب له عقلاً.
وسر الاختلاف بين هذا وهذا أن كلاً منهم نصب عقله حاكماً فيما يجب لله، وما يجب أن تصرف إليه النصوص، وهذا لا يوصلهم إلا إلى عطب واختلاف وتنازع، إذ إن العقول مختلفة، ولذلك سينقل الشيخ رحمه الله عن سلف الأمة ما يبين أن اعتماد العقل في باب إثبات الأسماء والصفات منهج ضال، إذ بأي عقل يوزن الكتاب والسنة؟! فهو يشير في قوله:(الطواغيت) إلى الشبه والأصول التي أصلتها كل فرقة من هذه الفرق.