[تصديق النبي لما ذكره أهل الكتاب من الصفات الثابتة لله سبحانه وتعالى]
قال رحمه الله: [وأيضاً فقد علم أنه صلى الله عليه وسلم قد ذم أهل الكتاب على ما حرفوه وبدلوه، ومعلوم أن التوراة مملوءة من ذكر الصفات، فلو كان هذا مما بدل وحرف لكان إنكار ذلك عليهم أولى، فكيف وكانوا إذا ذكروا بين يديه الصفات ضحك تعجباً وتصديقاً لها، ولم يعبهم قط بما تعيب النفاة أهل الإثبات على لفظ التجسيم والتشبيه ونحو ذلك؛ بل عابهم بقولهم:{يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ}[المائدة:٦٤] ، وقولهم:{إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ}[آل عمران:١٨١] ، وقولهم: إنه استراح لما خلق السماوات والأرض فقال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ}[ق:٨] ، والتوراة مملوءة من الصفات المطابقة للصفات المذكورة في القرآن، فإذا جاز أن تتأول الصفات التي اتفق عليها الكتابان فتأويل المعاد الذي انفرد به أحدهما أولى، والثاني مما يعلم بالاضطرار من دين الرسول أنه باطل، فالأول أولى بالبطلان] .
استمراراً في إلزامهم بطريقتهم قال الشيخ رحمه الله:(وأيضاً فقد علم أنه صلى الله عليه وسلم قد ذم أهل الكتاب على ما حرفوه وبدلوه) ومع ذلك لم يرد أنه ذمهم في نصوص الصفات إلا من حيث إنهم نسبوا إلى الله عز وجل النقص فقالوا: {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} وقالوا: {إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} ، وقالوا: إن الله سبحانه وتعالى لما خلق السماوات والأرض استراح في اليوم السابع، أما ماعدا ذلك فإنه لم ينكر عليهم، فدل ذلك على أنه لم يقع في نصوص الصفات التي جاءت في كتب الأنبياء السابقين وفي التوراة خاصة تحريف، ولم يقع تبديل، بل كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرهم على ما يذكرونه من الصفات التي توافق الحق، فكيف وكانوا إذا ذكروا بين يديه الصفات الثابتة حقاً له سبحانه وتعالى ضحك إقراراً لهم، وتعجباً من إثباتهم إياها، وتصديقاً لهم، وذلك كما في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن حبراً من أحبار يهود جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:(يا محمد! إن الله يمسك السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع، والشجر على إصبع، والخلائق على إصبع.
فضحك النبي صلى الله عليه وسلم تعجباً منه، ثم قرأ قوله تعالى {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ}[الزمر:٦٧] ) فأقره صلى الله عليه وسلم على هذا، فلما أقره على إثبات الصفات، ولم ينكر عليه ذلك، دل أن نصوص الصفات يجب أن تثبت دون تحريف ولا تعطيل، ودون تكييف ولا تمثيل.