قوله:(وهو ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، وما أوجب نقصاً أو حدوثاً فإن الله منزه عنه) فيه رد على طريقة هؤلاء، ورد على إلزامهم؛ حيث قالوا: إن إثبات الصفات -وبعضهم قال: إن إثبات الأسماء- يستلزم أن الله سبحانه وتعالى ناقص أو أنه جل وعلا حادث، قال:(فكل ما أوجب نقصاً أو حدوثاً فإن الله منزه عنه حقيقة) لكن نناقشكم في أن من لازم إثبات الصفات أن الله كان متصفاً بالنقص أو أنه سبحانه وتعالى حادثاً بعد أن لم يكن، فالحدوث الذي أشار إليه الشيخ هنا هو الحدوث الذي يسبقه العدم، وإلا فالصفات قسمان: منها ما هو صفات ثابتة لازمة وهي الصفات الذاتية وهي التي اتصف الله سبحانه وتعالى بها أزلاً وأبداً فهو لا يزال متصفاً بها: كالعلم والحياة والقدرة وغير ذلك من الصفات الذاتية.
ومن الصفات ما يتجدد، أي: يحدث بعد أن لم يكن، كالاستواء، والغضب، والفرح، فهذه صفات فعلية والصفات الفعلية تحدث بعد أن لم تكن.
قوله:(فكل ما أوجب نقصاً أو حدوثاً) أي: حدوثاً بعد أن لم يكن، يعني لو كانت هذه الصفات من لازمها أن الرب جل وعلا كان بعد أن لم يكن أو حدث بعد أن لم يكن؛ لكان ما تقولونه صواباً، ولكن هذه الصفات لا تدل على زعمكم.
وهذه من أكبر الشبه التي يعتمدها الضلّال في نفي الصفات: وهي أن الصفات تستلزم الحدوث، والحدوث ممتنع عن الله جل وعلا.
قال:(فإنه سبحانه مستحق للكمال الذي لا غاية فوقه) فلا يرام كمال أكمل من كماله جل وعلا {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}[الشورى:١١](ويمتنع عليه الحدوث) لامتناع العدم عليه) والحدوث المقصود هنا هو: حدوث الذات والصفات التي لم يزل متصفاً بها أزلاً وأبداً؛ لأن الحدوث قسمان: حدوث الموصوف، وحدوث الصفة، فأما حدوث الموصوف فمحال؛ لأن الله سبحانه وتعالى الأول الذي ليس قبله شيء والآخر الذي ليس بعده شيء جل وعلا، وأما حدوث الصفة: فمن الصفات ما يحدث بعد أن لم يكن كما مثلنا قبل قليل بالصفات الفعلية.
قوله:(ويمتنع عليه الحدوث؛ لامتناع العدم عليه) جل وعلا؛ لأن من حدث بعد أن لم يكن جاز عليه العدم، فلما كان الله سبحانه وتعالى الآخر الذي ليس بعده شيء والأول الذي ليس قبله شيء، فالحدوث ممتنع عليه؛ لأن من لوازم حدوث الموصوف أن يكون مسبوقاً بعدم أو ملحوقاً بعدم.
(واستلزام الحدوث سابقة العدم) يعني: وثبوت صفة الحدوث لذاته سبحانه وتعالى يستلزم أن يكون مسبوقاً بالعدم.
قال:(ولافتقار المحدث إلى محدِث؛ ولوجوب وجوده بنفسه سبحانه وتعالى) كل هذه التعليلات عقلية، جارى فيها الشيخ رحمه الله المتكلمين؛ ليبين بطلان شبهتهم، وليستعمل الألفاظ التي يستعملونها ليموهوا بها على الناس، ولذلك برع الشيخ رحمه الله في هذا الجانب حيث إنه ناقش هؤلاء بلغتهم وبقواعدهم، وبين أن قواعدهم لا توصلهم إلى النتائج التي وصلوا إليها، بل العقل دال على إثبات الصفات كما دل عليه الكتاب والسنة.