قال رحمه الله: [وما أحسن ما قال بعضهم: إذا قال لك الجهمي: كيف استوى أو كيف ينزل إلى سماء الدنيا أو كيف يداه؟ ونحو ذلك، فقل له: كيف هو في نفسه؟ فإذا قال لك: لا يعلم ما هو إلا هو، وكنه الباري تعالى غير معلوم للبشر، فقل له: فالعلم بكيفية الصفة مستلزم للعلم بكيفية الموصوف، فكيف يمكن أن تعلم كيفية صفة لموصوف لم تعلم كيفيته؟ وإنما تُعلم الذات والصفات من حيث الجملة على الوجه الذي ينبغي لك، بل هذه المخلوقات في الجنة قد ثبت عن ابن عباس أنه قال:(ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء) ، وقد أخبر الله تعالى: أنه لا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم (أن في الجنة ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر) ، فإذا كان نعيم الجنة -وهو خلق من خلق الله- كذلك فما ظنك بالخالق سبحانه وتعالى؟!! وهذه الروح التي في بني آدم قد علم العاقل اضطراب الناس فيها، وإمساك النصوص عن بيان كيفيتها، أفلا يعتبر العاقل بها عن الكلام في كيفية الله تعالى؟ مع أنا نقطع بأن الروح في البدن، وأنها تخرج منه، وتعرج إلى السماء، وأنها تسل منه وقت النزع كما نطقت بذلك النصوص الصحيحة، لا نغالي في تجريدها غلو المتفلسفة ومن وافقهم، حيث نفوا عنها الصعود والنزول، والاتصال بالبدن، والانفصال عنه، وتخبطوا فيها حيث رأوها من غير جنس البدن وصفاته، فعدم مماثلتها للبدن لا ينفي أن تكون هذه الصفات ثابتة لها بحسبها، إلا أن يفسروا كلامهم بما يوافق النصوص، فيكونون قد أخطئوا في اللفظ، وأنى لهم بذلك؟] .
بعد أن ذكر الشيخ رحمه الله الدليل الأول على صحة ما ذهب إليه السلف، وأن إثبات الصفات لا يقتضي المماثلة، وأن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، وأن الكلام في بعض الصفات كالكلام في باقيها؛ أتى بما يدل على أن من المخلوقات ما لا تدرك حقيقته، وإن كان قد وصف بأوصاف، وذكرت له أحكام، إلا أنه لا تدرك حقيقته للجهل بحقيقة ذلك المذكور، قال:(بل هذه المخلوقات في الجنة قد ثبت عن ابن عباس أنه قال: (ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء) ، وقد أخبر الله تعالى أنه لا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين, وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم (أن في الجنة ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر) فإذا كان نعيم الجنة هو خلق الله كذلك) يعني: لا تعلم حقيقته، ولا تدركه العقول على الحقيقة، ولا تتصوره على حقيقته (فما الظن بالخالق سبحانه وتعالى؟) فالواجب إذا كان هذا في بعض المخلوقات أن يكون الخالق أولى في هذا من خلقه، وألا تصله الظنون، بل يجب على المؤمن أن يثبت ما أثبته الله لنفسه أو أثبته رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل.