العلم فرأوا الإِقامة فرادى، والى هذا المذهب: ذهب ابن المسيب وعروة والزهري ومالك وأهل الحجاز والشافعي وأصحابه، وإليه: ذهب عمر بن عبد العزيز، ومكحول والأوزاعي، وأهل الشام والحسن البصري، ومحمد بن سيرين، وأحمد بن حنبل، ومن تبعهم من العراقيين ويحيى بن يحيى وابن راهوية، ومن تبعهم من الخراسانيين، وذهبوا في ذلك إلى حديث أنس، وقالوا: أما حديث أبي محذورة فالجواب عنه من وجوه منها: أنّ من شرط الناسخ أن يكون أصح سندا وأقوم قاعدة في جميع جهات الترجيحات على ما قررناه في مقدمة الكتاب، وغير مخفي على أن الحديث من صناعة، أنّ حديث أبي محذورة لا يوازى حديث أنس في جهة واحدة في الترجيح، فضلا عن الجهات كلها، ومنها أنّ جماعة من الحفاظ ذهبوا إلى أنّ هذه اللفظة في تثنية الإقامة غير محفوظة، وأنّ الحديث ثابت وكانت منسوخة بدليل ما ذكره الأَثرم قيل لأبي عبد الله أليس حديث أبي محذورة بعد فتح مكة؟ فقال: أليس قد رجع النبي صلي الله عليه وسلم/إلى المدينة وأقر بلالا على أذان بن زيد؟! وفي لفظ: ولكن أذان بلال هو آخر الأذانين انتهى كلامه. وفيه نظر من حيث أنه قال: من شرط الناسخ أن يكون أصح سندًا وأقوم إلى آخره، لاعينه ليس من شرط الناسخ ما ذكر بل يكفي أن يكون صحيحًا متأخرَا معارضًا غير ممكن الجمع بينه وبن معارضه، فلو فرضناهما متساويين في الصحة ووجد ما ذكرناه من الشروط ثبت النسخ، وأما أن يشترط أن يكون أرجح من المعارض في الصحة فلا نسلم، نعم لو كان دونه في الصحة لكان فيه نظر، وهذا الذي ذكرته هو الذي مثنى عليه في كتابه من ذلك ما ذكره منسوخًا من عند البخاري: أكان النبي صلي الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة؟ قال: نعم بحديث حسنه هو إلى غير ذلك من الأحاديث، وكذا فعله ابن شاهين، وقبله الأثرم، وتبعهم على ذلك الغرفي والله تعالى أعلم، وأمّا قوله فحملها بعض الرواة على جميع كلماتها فهو ظنّ، والظن لا يغنى من الحق شيء، وأّمما يقوى احتماله إذا نظر
إلى لفظ عام أو مطلق في ألفاظ الإِقامة لفظة لفظة لتبعه هذا الظن، قال أبو عمرو: كقول أبي حنيفة بقول الثوري والحسن بن حيي وعبيد الله بن الحسن، وجماعة من التابعين والفقهاء بالعراق متوارث عندهم بالعمل قرنان بعد قرن،