بعد موسى- عليه السلام، ووجه الحديث أن هذين المسجدين وضعا قديما ثم
خربا ثم بنيا، والله تعالى أعلم. وزعم القرطبي أنّ بين إبراهيم، وسليمان-
عليهما السلام- أيام طويلة قال أهل التاريخ: أكثر من ألف سنة، قال: ويرتفع
الإشكال؛ بأن يقال: أن الآية والحديث لابد أن على إبراهيم وسليمان ابتداء
وضعهما بعد ذلك تجديدا أما كان أسسه غيرهما، وقد روى أنّ أوّل من بني
البيت آدم، عليه السلام، وعلى هذا فيجوز أن يكون غيره من ولده وضع بيت
المقدس بعده بأربعين سنة، وبنحوه قاله ابن الجوزي في مشكله. انتهى
كلامهم- وفيه نظر؛ من حيث أنّ ابن هشام في كتاب البخاري أن آدم-
عليه السلام- لما بني البيت أمره جبريل بالمسير إلى بيت المقدس/، وأمره بأن
يبنيه فبناه ونسك فيه. انتهى. وقد ورد عن علي- رضى الله تعالى عنه- ما
يبين هذا الإشكال، ويوضِّحه إيضاحًا لا حاجة لنا معه إلى هذا التحرص
والحسبان أنبأ به المسند المعمر بدر الدين يوسف بن عمر التركي- رحمه الله-
قراءة عليه وأنا أسمع أنبأ المسند أبو الكرم لاحق بن عبد المنعم الأرناحي قراءة
عليه عن الحافظ أبي محمد المبارك بن علي أنبأ أبو الحسن عبيد الله بن
محمد بن أحمد أنبأ الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي أنبأ أبو عبد الله
الحافظ ثنا بكر بن محمد القتيمة في نمرة، ثنا أحمد بن حبان بن ملاعب ثنا
عبيد الله بن موسى ومحمد بن سابق قالا: ثنا إسرائيل ثنا سماك بن حرب عن
خالد بن عرعرة قال: سئل علبا- عليه السلام- عن أول بيت بني في
الأرض قال:"لا كان نوح قبل، وكان في البيوت، وكان إبراهيم قبله،
وكان في البيوت، ولكنه أول بيت وضع للناس فيه البركة والهدى، ومقام
إبراهيم، ومن دخله كان آمنا … ". الحديث فهذا علي- رضى الله تعالى
عنه- بيّن أن المراد بالوضع غير البناء، وإذا كان هكذا فلا إشكال، إذ مفهوم
حديثه يقتضى وضع ذلك فيه من الله تعالى قبل أن يضع مثله في مكان
المسجد الأقصى، وسياق الآية الكريمة يدل عليه أيضا فيزيد وضوحا بما ذكره
في تاريخ بيت المقدس تأليف محمد بن محمد بن عبدك الكنجي، ومن خطّه
نقلت: أنّ أبا عمرو الشيباني قال: قال علي بن أبي طالب: كانت الأرض
ماء فبعث الله ريحًا فمسحت الأرض مسحًا فطهرت على الأرض زبدة