المس يقتضى أن لا يمسه إلا طاهر اقتداء بالملائكة المطهرين فقد تعلق الحكم
بصفة التطهر، ولكنّه حكم مندوب إليه وليس محمولا على الفرض، وكذلك
ما كتب به النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعمرو بن حزم ليس على الفرض أيضا وإن كان
الفرض فيه أتى منه في الآية؛ لأنه جاء بلفظ: النهي عن مسه على غير طهارة
ولكنه في كتابه إلى هرقل دليل على ما قلناه، وقد خالف أبو ثور وطائفة ممن
سلف منهم ابن عيينة وابن أبي سليمان إلى إباحة مسه على غير طهارة، ومما
يقوى إن المطهرين في الآية هم الملائكة إنه لم يقل المتطهرون إنما قال:
المطهرون، وفرق ما بين المتطهر والمطهر وذلك أن المتطهر: من فعل الطهور
وأدخل نفسه فيه، كالمتفقه الذي يدخل نفسه في الفقه وكذلك المتفعل في
أكثر الكلام أنشد سيبويه وقيس بن غيلان ومن بقيا. فالآدميون متطهرون إذا
تطهروا، والملائكة مطهرون خلقة، والآدميات إذا طهرت متطهرات، قال تعالى:
(فإذا تطهرن) والحور العين مطهرات قال تعالى: (لهم أزواج مطهرة)
وهذا فرق بيّن والمصطفي عليه الصلاة والسلام متطهر ومطهر ولله الحمد
والمنة. قال ابن المنذر: ورخص بعض من كان في عصرنا للجنب والحائض في
مسّ المصحف والدنانير والدراهم التي فيها ذكر الله تعالى، قال:/ثبت أن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " المؤمن لا ينجس ". وفي كتاب المعرفة: قال مجاهد وأنس بن
مالك: المطهرون: الملائكة. وقال أبو عبد الله الحليمي: إّنما أتى بالملائكة إلى
مسّ ذلك الكتاب؛ لأنهم مطهرون والمطهر: هو الميسّر للعبادة والمرض لها فثبت
أن المطهر من الناس هو الذي ينبغي له أن يمس المصحف، والمحدث ليس
كذلك؛ لأنه ممنوع من الصلاة والطواف والجنب والحائض ممنوعان منها ومن
قراءة القرآن؛ فلم يكن لهم حمْل المصحف ولا مسّه، وفي شرح السنة قول
أكثر العلماء من الصحابة فمن بعدهم لا يجوز للجنب ولا للحائض قراءة
القرآن وهو قول الحسن، وفيه قال سفيان وابن المبارك والشافعي وأحمد
وإسحاق وجوّز عكرمة للجنب قراءة القرآن وجوّز مالك للحائض قراءة القرآن
لأنّ زمن حيضها قد يطول فتمس القرآن. وقال مالك: لا يحمل المحدث