للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ان محمد بن العبّاس الجمحيّ قاضي الرملة يركب اليه في كل يوم فلم يزالوا به حتى ركب اليه متخفّفا فدخل اليه في هيئة بذّة ولم يكن وجهه حسنا بل كان كثير الجدريّ فرأى الجمحيّ جالسا على يمين ابن بسطام في هيئة حسنة فسلّم ابو عبيد وجلس عن يساره وابن بسطام يكتب في رقعة فلم يزد ابن بسطام ابا عبيد على قوله «وعليكم السلام» بل استمرّ في كتابته فجلس ابو عبيد جلسة خفيفة ثم نهض فقال ابن بسطام للجمحيّ: من هذا. قال: هذا قاضي مصر. فقال ابن بسطام: والله ما يدري هذا ايش تولّى ولا يدري من ولاّه ايش ولاّه. فبلغ ذلك ابا عبيد فعاد في يوم آخر الى مجلس ابن بسطام فلما دخل وجد ابن بسطام يكتب فسلّم وجلس ايضا فاخذ ابو عبيد في الكلام فسمع ابن بسطام ما ادهشه فاغلق الدواة واستدار اليه وبادر الغلمان بمخدّة فوضعوها خلفه وصار الجمحيّ خلف ابن بسطام واستمر ابو عبيد في الخوض في كثير من العلوم والفنون حتى قال له ابن بسطام: ايّد الله القاضي اقلّ استحقاق القاضي ان يكون قاضي الدنيا كلها ولقد ظلمه من ولّى معه غيره. فلما عزم القاضي على القيام قام ابن بسطام فاخذ بيده ومشى معه حتى ركب واستمرّ قائما حتى غاب القاضي (٨١ ب) عن عينه. ثم كان ابن بسطام يصنع به ذلك فلمّا دخل مصر عامله بذلك واذا اتّفق ان يحضر ابن بسطام مجلس القاضي يرسل احد حجّابه فيضع يديه على ركبتي القاضي يمنعه من القيام فاذا منعه قال له القاضي: ما استطيع مخالفة الامير. فيدخل ابن بسطام ويجلس بجانب القاضي من غير ان يتمكّن من القيام له. وتبعه على هذا الفعل تكين امير مصر حتى كان اذا جاء الى مجلس القاضي فلم يجده في مجلسه يجلس دون مرتبته حتى يجيء القاضي فيقوم له

ذكر شيء من خبر ابن بسطام هذا. قال عليّ بن الفتح المطوّق في كتاب الوزراء له: اعتقل القاسم بن عبيد الله بن سليمان بن وهب ابا العبّاس احمد بن محمد ابن بسطام في داره اياما لاشياء كانت في نفسه عليه واراد ان يوقع به فلم يزل ابن بسطام يداريه ويتلطّف به الى ان اطلقه وقلّده آمد وما يتّصل بها من الاعمال واخرجه اليها وفي نفسه ما فيها ثم ندم فوجّه اليه في آخر وزارته بعامل يقال له عليّ بن حسين

<<  <   >  >>