موسى طالبا لمصر من العراق فلمّا وصل الى الفرما وجد الفتنة قائمة بمصر فتأخّر دخوله الى الخامس والعشرين من جمادى الآخرة فباشر الامور مباشرة حسنة ووقف من قبول كثير من الشهود تحرّزا من غير غرض وتصلّب في كثير من الاحكام ولم يتساهل في شيء واحتاط في اموال الاوقاف والأيتام ولم يطلق من الرزق الاّ القليل. وكان عبد الله بن محمد الخصيبيّ يقول: وليت قضاء الرملة وولي محمد بن موسى قضاء مصر في وقت واحد فشاورني فيمن يكاتبه فأشرت عليه بابي بكر ابن الحدّاد فبلغني انه كتب الى ابن ابي الحديد فالتقينا فاعتذر بانه بلغه ان ابن الحدّاد كان يعمل مع ابن قيس (قال) فعذرته. قلت: كذا ذكر ابن زولاق هذه الحكاية عن الخصيبيّ والخصيبيّ كان يكره ابن الحدّاد لسلاطته عليه بلسانه لمّا ولي القضاء بمصر كما مضى في ترجمته فلا يقبل قوله فيه
قال ابو عمر: كان محمد بن موسى فقيها على مذهب الكوفيّين حافظا لمذهبه عفيفا عن الاموال ستيرا كثير الصمت واكثر الشهود التردّد اليه فقال لهم: ما لكم معاش عندنا فلا يجيء احد منكم الاّ لحاجة او لشهادة. وسأل بعض شهوده ان يشتري له خلا بدينار فارسل له حملين فاسترخصه وسأل سرّا فقيل له ان الذي أحضر اليه يساوي اربعة دنانير فردّ الخلّ وطلب من نائبه ابي الحسن بن اسحاق ان يعمل له [بهظة] فتوجّه مهتمّا بعمل ذلك فواطأه غلام القاضي زنبيل في جميع آلات ذلك
وحكى متولّي الاحباس في زمانه انه باع ثمرة الاحباس مرّة بخمسة آلاف دينار وزيادة قال: فعملت الحساب فنظر فيه محمد بن موسى فوجد فيه باسم المتولّي لذلك خمسمائة دينار فسأله عنه: هل لك فيه شركة. قال: لا ولكن هذا حقّ العمل. فقال له: كم عملت هذا الحساب في يوم. فقال له: في ثلاثة ايّام. فاطلق له ثلاثين دينارا فكلّمه ابو الحسن بن اسحاق فما بلغه خمسين دينارا الا بعد جهد قال: وكان يحبّ مذاكرة العلم
وانقبض عنه ابو بكر بن الحدّاد لانه بلغه انه سأله عنه فقيل له انه شافعيّ فقال: ليته كان حنفيّا. فانقطع عنه