١ - يحتمل أن يكون ما قال حاطب كما قال: من أنه لم يفعله شاكاً في
الإسلام -، وأنه فعله ليمنع أهله.
٢ - ويحتمل أن يكون زلة لا رغبة عن الإسلام.
٣ - واحتمل المعنى الأقبح - أي: النفاق -.
كان القول قوله، فيما احتمل فعله، وحكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه بأن لم يقتله.
ولم يستعمل عليه الأغلب، ولا - أعلم - أحداً أتى في مثل هذا أعظم في الظاهر من هذا؛ لأن أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مباين في عظمته لجميع الآدميين بعده، فإذا كان من خابر المشركين بأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريد غرَّتهم فصدَّقه، - على - ما عاب عليه - من ذلك غير مستعمل عليه - الأغلب مما يقع في النفوس، فيكون لذلك مقبولاً كان من بعده في أقل من حاله، وأولى أن يقبل منه مثل ما قبل منه.
قيل للشافعي: أفرأيت إن قال قائل: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"قد صدق"
إنما تركه لمعرفته بصدقه، لا بأن فعله كان يحتمل الصدق وغيره.
فيقال له: قد علم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن المنافقين كاذبون، وحقن دماءهم بالظاهر، فلو كان حكم النبي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حاطب بالعلم بصدقه، كان حكمه على المنافقين: القتل بالعلم بكذبهم، ولكنه إنما حكم في كل بالظاهر.
وتولى الله - عزَّ وجلَّ منهم السرائر، ولئلا يكون لحاكم بعده أن يدع حكماً له مثل ما وصفت من علل أهل الجاهلية، وكل ما حكم به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو عام حتى يأتي عنه دلالة على أنه أراد به خاصاً، أو عن جماعة المسلمين الذين لا يمكن فيهم أن يجهلوا له سنة، أو يكون ذلك موجوداً في كتاب الله - عز وجل -.